يتطلع الافرقاء السياسيون كافة وعلى تنوع مواقفهم السياسية وتحالفاتهم الخارجية المحورية الى ما يجري من تطورات متسارعة في المحيط الاقليمي، خصوصاً على الساحة السورية، وهم يعتمدون سياسة التروي والانتظار في اتخاذ قرارات نهائية سارية المفعول في العديد من الملفات الضاغطة، لاسيما قانون الانتخابات النيابية من غير ان يعني ذلك التوقف من المناقشات والمداولات وتبادل الصيغ، والضغط باتجاه عدم الوقوع في الفراغ او التمديد للمجلس الحالي من خارج صيغة «التمديد التقني» او لاحياء قانون الستين الذي بات في قناعة الغالبية من هؤلاء الافرقاء من الماضي..
من الصعب حسم مشهد ما ستؤول اليه التطورات في مدى قريب، ولبنان يعيش أزمة متعددة العناوين، وقد سجل «لحكومة استعادة الثقة» بأنها، وإن نأت بنفسها بطريقة او بأخرى، عن المناكفات فقد حافظت على الحد المطلوب من التماسك الذي وفر أرضية جيدة للأمن والاستقرار وابقاء ساحة الداخل بعيدة عن تداعيات ما يجري في الاقليم من تطورات، على رغم المحاولات الفاشلة في «تجييش» جماعات وخلايا وأفراد في عدد من المخيمات الفلسطينية ومخيمات النازحين السوريين؟! وها هي الحكومية تمضي على طريق انجاز الموازنة العامة للدولة، وتستعد خلال أيام قليلة لانجاز التعيينات العسكرية والأمنية والادارية، ومن ثم «العمل بأقصى طاقة ممكنة لمنع حصول فراغ في مجلس النواب، عن طريق اجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، ان توفرت فرص التوافق على قانون جديد للانتخابات النيابية؟!
من متابعة مواقف الافرقاء يتبين ان «التيار الوطني الحر» وهو من بين أكثر المتحمسين لاقرار قانون للانتخابات النيابية جديد، وقد قدّم أكثر من صيغة لهذا القانون لم تلقَ استجابة من سائر الافرقاء القريبين منه او أولئك على الضفة الأخرى.. الأمر الذي ولّد شعوراً عند قادة «التيار» خلاصته ان «عهد الرئيس العماد ميشال عون» في خطر وهو أمر لا يمكن التسليم به او القبول به مهما كانت الظروف ومهما آلت اليه التطورات فقانون الانتخاب (بالطبع غير الستين) أهم من رئاسة الجمهورية ويستأهل التضحية من أجله بكل شيء وحتى بالعهد..» على حد ما جاء على لسان رئيس «التيار» وزير الخارجية جبران باسيل.. واستكمل بمواقف قيادات من «التيار» نفسه خلاصتها «ان التمديد ليس وارداً أبداً..» مهددة بـ«خطوات لاحقة» من باب «التحذير من الدخول في مرحلة الحظر على الانتخابات النيابية في الفترة الممتدة من 15 اذار الى 15 نيسان.. واذا لم يتم التوصل، خلال هذه الفترة، الى قانون جديد نكون دخلنا في الحظر على العهد والمؤسسات». عندها يكون كل شيء مفتوح للعمل، وكل شيء وارد بما فيه النزول الي الشارع والتظاهر والقيام بكل ما يعيد الحق الى المواطن حسب الدستور اللبناني القائل ان الشعب هو مصدر السلطات..
تتقاطع مواقف «التيار» مع مواقف العديد من الافرقاء السياسيين ومن بينهم تيار «المستقبل» و»الاشتراكي»، وآخرين، من الذين يظهر أنهم دخلوا في مرحلة التجاوب مع الدعوات الى الحوارات المنضبطة، تحت سقف مجلس الوزراء، بعد انجاز الموازنة العامة.. خصوصاً وان قياديين عديدين من «المستقبل» و»الاشتراكي» أكدوا في الأيام الأخيرة الماضية «ان لا مصلحة للبلد في التمديد لمجلس النواب الحالي.. كما لا مصلحة لأي قوة سياسية في استدراج الفراغ..» وقد رفع رئيس الحكومة سعد الحريري ثلاث لاءات تتقاطع مع لاءات الرئيس بري الثلاث، لا للتمديد، لا للفراغ لا للستين..
لم يعد خافيا على أحد، ان «النظام الأكثري» ذهب الى غير رجعة، على ما يفصح عن ذلك قياديون في «الاشتراكي»، وهو أمر مرفوض من الجميع، كذلك التمديد للمجلس النيابي.. والمطلوب اقرار قانون يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي.. وذلك ضمن المهل الدستورية..
ليس من شك في ان المسألة أكثر تعقيداً مما يتصور كثيرون.. والدعوات المتلاحقة لأن تتولى الحكومة – بعد ان تفرغ من الموازنة وسائر التعيينات – أمر هذا الملف، دعوة في محلها، اذا ما خلصت النيات وتخلى الافرقاء كافة عن صيغة «أنا او لا أحد..» والمعلومات المتوفرة، تؤكد ان الرئيس سعد الحريري وصل الى قناعة بوجوب الخروج من هذا المأزق الذي لا يفيد منه أي أحد.. وهو ماض في خياره امتصاص كل السلبيات وابداء المرونة الكافية والايجابية للعبور بلبنان من دائرة الفراغ، او التمديد او العودة الى الستين.. والمرحلة المقبلة ستشهد المزيد من النقاشات غير المقيدة بغير مصلحة البلد وحتمية اجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، بصرف النظر عما يجري في المحيط الاقليمي من تطورات وما يمكن ان تؤول اليه وما يمكن ان تعكسه على الواقع اللبناني.. وبصرف النظر عن الاختلاف في الرؤى والتصورات والصيغ التي لن تتحول الى خلافات، ولن تتحول الى مادة يتلطى خلفها البعض لتأجيل الانتخابات بعد ان تكون المهلة الزمنية قد انتهت؟!