في الماضي كان لكل انتخابات نيابية قانون تفصّله السلطة على قياسها، وكانت الاقلية تخضع لما تقرره الاكثرية في مجلس الوزراء ثم في مجلس النواب احتراماً للديموقراطية، حتى أن مقاطعة 80 في المئة من الناخبين لم تستطع فرض تأجيل انتخابات 1992 لأنها أجريت في ظل الوصاية السورية… وعندما عاتب مسؤول سوري مسؤولاً في حزب شارك في المقاطعة خلافاً لما كان يتوقعه، برر له ذلك بالقول: “إن القيادة عادت الى القاعدة التي أيدت المقاطعة، فكان لا بد من التجاوب معها”. فردَّ المسؤول السوري ساخراً: “لو أننا في سوريا نعود الى القاعدة لأصبحنا خارج السلطة أو في السجن”.
لذلك كانت الاكثرية هي التي تفرض قانون الانتخابات النيابية على الاقلية التي تكتفي بالاعتراض عليه، لكنها كانت تخوض الانتخابات على أساسه احتراماً منها للنظام الديموقراطي. بيد أن هذه الاكثرية لم تعد تستطيع اليوم ذلك لأن الاقلية باتت قادرة على التحكم بالاكثرية لأن مقاطعة اي مكون مهم من مكونات لبنان السياسية أو المذهبية تعطل اجراء الانتخابات وإلا اعتبرت نتائجها مخالفة لروح الميثاق الوطني. لذا بات على كل قانون للانتخابات النيابية ان يحظى بموافقة كل القوى السياسية في البلاد وإلا فلا قانون ولا انتخابات وهو الحاصل حتى الآن. وقد أدى استمرار الخلاف بين هذه القوى على القانون الى التمديد لمجلس النواب مرة ثانية، وكان ذلك من اسباب تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية لخلاف بين من يريد أن ينتخبه مجلس نيابي جديد منبثق من انتخابات نيابية تجري على اساس قانون عادل ومتوازن، ومن يريد التعامل مع الواقع وانتخاب رئيس من مجلس ممدد له لأن ذلك يظل أقل ضرراً من إبقاء سدة الرئاسة شاغرة.
إن حقيقة الخلاف حول قانون جديد للانتخابات النيابية هي في أن زعماء اللوائح يريدون قانوناً يحفظ لهم حقهم في تأليف اللوائح كي يأتوا بمن يريدون نواباً، وان يبقى لعامل المال دوره المؤثر في الانتخابات، ما جعل الرئيس نبيه بري يبشّر “بطول الاقامة لقانون الستين النافذ” لأنه منذ البداية قال: “إذا اتفقنا على مشروع قانون الانتخاب فاننا نوقعه بالاحرف الاولى في انتظار انتخاب رئيس للجمهورية الذي ينبغي ان يكون له رأي فيه”.
والسؤال المطروح هو: هل يبقى لبنان بلا رئيس للجمهورية اذا ظل الخلاف قائماً على انتخابه، ويبقى لبنان ايضاً من دون انتخابات نيابية ينبثق منها مجلس نيابي جديد اذا ظل الخلاف قائماً على قانون جديد تجرى على اساسه؟!
إن امام اللجنة النيابية المكلفة صوغ قانون جديد للانتخابات النيابية مشروعين: مشروع مختلط ينص على أن يتم انتخاب نصف اعضاء مجلس النواب (64) على اساس النظام النسبي، والنصف الآخر على اساس النظام الاكثري، ومشروع ينص على انتخاب 68 نائباً على اساس النظام الاكثري و60 نائباً على اساس النسبي. لكن أياً من هذين المشروعين لم يحظ بموافقة الجميع، ما جعل البعض يقترح مشاريع اخرى منها زيادة عدد الاقضية لينتخب فيها ما بين 10 الى 12 نائباً، ومشروع آخر ستدرسه نقابة المحامين كانت المحامية صونيا عطية قد وضعته وقدمت نسخاً منه الى الرؤساء الثلاثة، ينص على اجراء الانتخابات على مرحلتين: في المرحلة الاولى يتم تأهيل المرشحين مناطقياً ومذهبياً بحيث يقترع الناخبون في كل منطقة للمرشحين عن الدائرة، وفي النتيجة يتم تأهيل مرشحين اثنين عن كل مقعد الحائزين العدد الاكبر من الاصوات في كل دائرة ووفقاً للتوزيع الطائفي. وفي المرحلة الثانية تحصر المنافسة بين المرشحين المؤهلين وتجري الانتخابات على اساس اعتبار لبنان دائرة واحدة بحيث يعطى كل ناخب الحق بأن ينتخب عدداً معيناً ومحدداً من المرشحين في كل لبنان، ويقترح المشروع ان يكون مرشحان اثنان، من دون التقيد بالطائفية او المناطقية أو بأي اعتبار فئوي آخر. ولكي تؤمن مشاركة اللبنانيين من كل الطوائف ينبغي اختيار مرشحين من الطوائف والمذاهب المختلفة، ويكون لكل ناخب ان يقترع لمصلحة مرشح واحد من الطائفة المسيحية وآخر من الطائفة الاسلامية، ويعتبر فائزاً في كل محافظة أو قضاء أو دائرة بحسب التقسيم المعمول به، العدد المطلوب من المرشحين الذين نالوا العدد الاكبر من الاصوات من بين مرشحي كل طائفة أو مقعد.
هل تستطيع لجنة التواصل النيابية الاتفاق على مشروع قانون للانتخابات، ام ان الكلمة ستبقى للهيئة العامة لمجلس النواب بحيث لا يصبح نافذاً إلا بعد توقيع رئيس الجمهورية عليه، ام ان هذا المشروع يرجأ بته، حتى لو صار اتفاق عليه بالحوار بين الاقطاب، الى ما بعد انتخابات الرئيس لأن بانتخابه قد تتغير امور كثيرة بدءاً من حصول تفاهمات اقليمية ودولية تجعل للرئيس دوره وكلمته في القانون، وقد تجعل الاصطفافات السياسية الحالية تتغير ايضا وكذلك التحالفات بفعل التغيرات التي قد تحصل في المنطقة.