منذ نحو أسبوعين، بدأت اللجان النيابية المشتركة في مجلس النواب، مناقشة إقتراح القانون الذي تقدمت به كتلة “التنمية والتحرير” التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، لتعديل قانون الإنتخاب الحالي، ويرمي الإقتراح، كما بات معلوماً، الى اعتبار لبنان دائرة إنتخابية واحدة على أساس النسبية، وتخفيض سن الإقتراع إلى 18 سنة، علماً أن هذا الأمر يحتاج تعديلاً دستورياً، وإضافة ستة نواب يمثلون بلاد الإغتراب إلى العدد الحالي المؤلف منه المجلس وكوتا نسائية ملزمة في اللوائح الانتخابية، وعناوين أخرى كالبطاقة الممغنطة وطريقة احتساب النتائج أفقياً وليس عمودياً وتحديد حد أدنى لقبول طلب اللائحة للتسجيل.
ومن المقرر أن تتابع اللجان اليوم مناقشة هذا الإقتراح بعدما كان بري دعا اللجان النيابية المشتركة يوم الخميس في الثالث من تشرين الأول الحالي إلى جلسة مشتركة تعقد اليوم الأربعاء في 9 الحالي.
وكانت الجولة الأولى من النقاش سجلت ما وصفه نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي بأنه كان راقياً وعلمياً وهادئاً، مع التذكير بأنه سبق لكتلة بري أن استطلعت آراء الكتل النيابية خلال جولة قامت بها لوضع ملاحظاتها على الإقتراح، ومنها من أيدت بالمبدأ ومنها من تحفظت، ومنها تريثت ولم تبد موقفاً نهائياً، لكن اللافت أن الأحزاب والكتل المسيحية بأجمعها، أجمعت على النظر إلى الإقتراح بحذر، وأعلنت رفضها له بصراحة، معتبرة أنها خاضت معارك للوصول إلى القانون الحالي على قاعدة حسن التمثيل.
وبينما يجري الحديث عن إعادة إصطفاف للقوى المسيحية بمواجهة هذا الإقتراح، على غرار ما جرى في الجلسة التشريعية الأخيرة إعتراضاً على سحب الحكومة لمشروع قانون يعود لمنطقتي المتن وجبيل، وما قد يحصل ربما في الجلسة المنتظرة في السابع عشر من الجاري لتفسير المادة 95 من الدستور، في حال إنعقادها، لا تخفي بعض القوى السياسية الأخرى نيتها التخلص من قانون الإنتخاب الحالي.
الكتل النيابية
عضو كتلة “الوسط المستقل” النائب نقولا نحاس قال لـ”نداء الوطن”: “ندرس بدقة وبتأنٍّ مواد هذا الإقتراح وسنؤيد ما نجده مناسباً ويُقنعنا ونعترض على ما لا نراه مناسباً، والجلسة الأولى كانت جلسة جس نبض وجرت مقاربات شاملة للموضوع”، مذكراً بمشروع القانون الذي كانت تقدمت به حكومة الرئيس نجيب ميقاتي منذ سنوات والذي يقسم لبنان إلى 13 دائرة إنتخابية على أساس النسبية مع إعتماد صوتين تفضيليين، والذي نعتبره الأنسب والأفضل للبلد”.
ولفت نحاس إلى أن “في قانون الإنتخاب لا يوجد شيء اسمه إصطفاف مذهبي من لون معين، فهناك ثوابت أساسية يقوم عليها البلد وأي قانون إنتخابي يجب أن يُراعي هذه الثوابت، ونحن مع كل ما يؤدي إلى الخروج من التقوقع المذهبي إلى رحاب المواطنة وسنعمل عليه”.
وفيما بدا واضحاً أن تكتل “لبنان القوي” وتكتل “الجمهورية القوية” وحتى كتلة حزب “الكتائب” غير متحمسة تجاه تعديل القانون الحالي الذي جرت على أساسه انتخابات العام 2018، توقعت مصادر متابعة أن تشهد جلسة اليوم إستكمالاً للنقاش العام للقانون قبل الوصول إلى الدخول في صلبه والغوص في مضمون المواد، وهو الأمر الذي يعود تقديره لرئيس الجلسة، نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي الذي يتمتع بالقدرة والحنكة الكافيتين لتقدير الموقف على ضوء مسار النقاش.
موقف أمل
عضو كتلة “التنمية والتحرير”النائب محمد خواجة قال لـ”نداء الوطن”: “إن المطلوب برأينا هو الاتفاق والتفاهم على الأساسيات، أي الدائرة الوطنية الكبرى ومبدأ النسبية وما عدا ذلك يُصبح سهلاً للنقاش وهو قابل للنقاش، وإذا كان هناك من ملاحظات، وهذا من حق أي طرف أو فريق، لدى بعض الكتل فنتمنى أن نستمع إليها، سيما بعض الكتل الوازنة التي ربما لمحت تلميحاً وليس تصريحاً بشكل واضح حول تمسكها بالقانون الحالي”.
وأضاف: “تمسّكنا بهذا الإقتراح ليس من باب المصلحة الذاتية، فالقانون الحالي أعطانا ككتلة 17 مقعداً نيابياً وهذا أقصى ما يُمكن أن نحصل عليه، ولكن مع الدائرة الوطنية الكبرى لن نحصل على هذا العدد ولكن كما يُردد الرئيس بري دائماً، مع النظام النسبي والدائرة الكبرى يُمكن أن نخسر مقاعد نيابية ولكننا نربح الوطن”.
وتابع: “إن الغاية من هذا القانون هو للإنتقال بالوطن نحو الأفضل، فالنظام السياسي الذي يجب أن تكون وظيفته تسهيل الحياة العامة للمواطن، لم يعد يُنتج سوى التوترات والمصائب، وهذا الإقتراح بمثابة نقطة تحول تُمهد لإعادة إنتاج نظام سياسي حقيقي عبر فرض الخطاب الوطني الجامع وتعزيز منطق الإنماء المتوازن وفرض التخطيط على مستوى الوطن وليس على مستوى الحي والمنطقة الانتخابية، إضافة إلى فرض وجود أحزاب عابرة للطوائف بشكل تدريجي، كما يُسقط منطق الرشى الانتخابية لإستحالتها في الدوائر الكبرى على مستوى لبنان، وهكذا يُصبح فعلاً النائب يُمثل الأمة جمعاء كما ينص الدستور وليس كما هو الحال الآن”.
في المحصلة، ما بين التسليم بمبدأ النسبية الذي اعتمد في قانون الإنتخاب الأخير، وما بين حجم الدائرة الإنتخابية الذي ربما يُشكل هاجساً لدى بعض القوى، فإن بدء النقاش قبل ثلاث سنوات من الإستحقاق الإنتخابي بإقتراحات القوانين، يبقى سابقة تُسجل للرئيس نبيه بري الذي لم يُخف نيته التخلص من القانون الحالي وصوته التفضيلي.