تأتي نفحات التفاؤل الجديدة حول امكان التوصل الى تسوية للمعضلة المزمنة المستفحلة حول قانون الانتخاب، بعد تقلّب غير صحي أبداً بين دورة تشاؤم ودورة تفاؤل طيلة الأشهر الماضية. المختلف اليوم هو أنّ المناخ العام بات أكثر تقبلاً لفكرة اعتماد القانون النافذ (الستين – الدوحة) في حال تعذر التوافق على بديل له. هذا بحد ذاته رفع لمنسوب التعامل المنطقي مع الأمور، وهو منسوب متواضع جداً في الحياة السياسية اللبنانية. بل إن تقبل اعتماد القانون النافذ في حال لم يتم التوصل الى بديل عنه، ربما أثر بشكل ايجابي على مساعي التوصل الى هذا البديل، فاعتماد المنطق الواقعي والمؤسسي في نقطة لا بد أنه يؤثر ايجاباً على النقطة المقابلة لها، وعندما يكون هناك تقيد بالقانون النافذ في حال لم يتأمن التوافق على بديل عنه، يصير هذا التوافق مؤطراً في حدود زمنية أكثر وضوحاً، وبسقوف تسووية أكثر رحابة. هذا كله، اذا كانت القوى السياسية قد أقرت بالفعل بمبدأ أن الخيار ليس بين الفراغ أو التمديد، وأنه بين القانون النافذ أو بين قانون جديد.
لكن ما يفرض حقيقة واقعاً ضاغطاً للخروج من الحلقة المفرغة للقانون الانتخابي هو الوضع الاقليمي العام اليوم. عدم السيطرة على هذه القنبلة الموقوتة التي اسمها معضلة قانون الانتخاب ليس في مصلحة أحد في لبنان اليوم. وبخلاف توقعات ظلت قائمة حتى فترة وجيزة، فالجميع يدرك اليوم أن الانتخابات، أيا كان قانونها، لن تسمح له بأن يستعيد مشهد «تسونامي» انتخابي كاسح يؤسس عليه لسردية تمثيلية منتفخة في السنوات المقبلة. كذلك المنظار الذي يعتبر أن قانون الانتخابات، اذا جاء عصرياً وتحديثياً، فانه كفيل بتبديل الطبقة السياسية، فهو منظار تآكل الى حد كبير: ما يمكنه أن يبدّل الأوضاع اللبنانية، ويعيد اليها الحيوية، ويعيد الى مفهومي المرفق العام والمصلحة العامة مضمونهما بات يتجاوز قضية قانون الانتخاب، والانتخابات، معاً. فقدت الانتخابات سحرها من كثرة ما استحضر هذا السحر، وخبز منه وعجن. ولأنها فقدت سحرها، صار من الممكن اجراؤها، فلا أحد يخاف منها الآن، وقانون الانتخاب العتيد عليه أن يعكس تراجع المخاوف هذا!!.
في الوقت نفسه الذي يفقد الاستحقاق المنتظر سحره وبريقه، فيصير من الأسهل تنظيمه، أو تنظيم عملية تأجيله بعض الشيء بموجب قانون جديد، تأتي التطورات الاقليمية والمسار العام للتوتر، لتجعل من هذا الاستحقاق ضرورة حقيقية بالنسبة الى درء المخاطر المحدقة بالبلد، جراء انتقال النزاعات المجاورة اليه. في نهاية المطاف، ثمة «ضغط حقيقي من تحت»، من الناس، ضغط غير راغب في الترجمة الفورية، الحرفية، الشاملة، التامة، للاختلافات اللبنانية حول المحاور الاقليمية، الى اشتباك أهلي لبناني جديد. هذا ضغط يفسر بعوامل كثيرة، منها بالواقع الذي يفرضه اللجوء الديموغرافي السوري في لبنان. لكن هذا «الضغط من تحت» الذي لا يمكن أن تتجاوزه أو تكابر عليه القوى السياسية المتباينة في ما بينها، هو ضغط ليس بمقدوره التطبع مع دوام تمديد المجلس النيابي لنفسه، وتأجيل استحقاق الانتخابات.
كل هذا من شأنه أن يعيد للتفاؤل على خط الاتفاق على قانون انتخابي، سواء النافذ أو بديل عنه، حيثية. هذا رغم الخيبات في الأشهر السابقة. والأهم: رغم أنه لا يمكن المراهنة على أن الجميع متعقل كفاية في البلد، لكن عدم التعقل في هذه المرحلة، اذا ما نجح في تفشيل أي تسوية حول القانون والانتخابات، له كلفة، وكلفة باهظة أيضاً: ذلك أن القانون الانتخابي، والاستحقاق من بعده، هما اليوم قضية أمن قومي. لا نحتاجهما فقط لأن نظامنا دستوري، ينص على الاحتكام الى صناديق الاقتراع وانتخاب السلطة التشريعية وفصل السلطات، بل نحتاجهما قبل ذلك لتقليل مخاطر التعرض لـ«اشعاعات الاقليم»، المتقلبة والعنيفة في الفترة المقبلة.