Site icon IMLebanon

قانون الانتخاب رهن «الغموض البنّاء»

لماذا استدعى السجال حول إدراج بند قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية كل هذه الحدّة الطائفية والتهديد والوعيد الذي بلغ حدود الاستعداد للنزول الى الشارع، مقابل إصرار رئيس مجلس النواب نبيه برّي على موقفه الرافض لهذا الاقتراح؟ ألأن تحلّل الدولة ومؤسساتها أعاد معظم الشرائح اللبنانية الى مربعاتها الطائفية كما جرى الحال مع ملف النفايات، أم لأسباب أخرى؟

لا شك ان السبب المشار اليه واحد من العوامل الأساسية التي لعبت دوراً في هذا المناخ، إلا ان ثمة أسباباً موضوعية لا يمكن تجاهلها في مقاربة هذا النقاش، وأهمها محورية قانون الانتخاب والأهمية التي يكتسبها في ما يسمى عملية تكوين السلطة، بوصفه أصعب وأخطر ملف يعني القوى السياسية كافة الى حدّ يبدو التوافق حوله أكثر تعقيداً من التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية.

هذا ما تؤكده أوساط حزب «القوات اللبنانية» والتيّار «الوطني الحر»، من جهة، وما يؤكده من جهة مقابلة المعاون السياسي للرئيس برّي وزير المال علي حسن خليل الذي كان في قلب المفاوضات التي جرت حول الجلسة التشريعية في بيروت، كما شارك في مفاوضات ربع الساعة الأخير التي جرت في الرياض، حيث أمضى ليلة بيضاء (nuit Blanche) مع زميليه في الحكومة الوزيرين جبران باسيل ووائل أبو فاعور، وفي يد كل منهم خط هاتفي مفتوح مع الرئيس برّي أو الرئيس سعد الحريري أو النائب ميشال عون أو النائب وليد جنبلاط.

هذه الوقائع ذكّرت خليل بأجواء مؤتمر الدوحة الذي عقد العام 2008 إثر أحداث 7 أيار: «لم نذهب الى هناك من أجل الاتفاق على رئيس للجمهورية وقد كان حُسم هذا الأمر في اجتماعات «فينيسيا» التي عقدت مع رئيس الحكومة القطرية آنذاك الشيخ حمد بن جاسم، وصدر بنتيجتها بيان أعلن فيه التوافق على ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. ذهبنا الى الدوحة من أجل التوافق على قانون الانتخاب، هذا كان هدفنا الأول والأهم لا بل المهمة الأصعب التي كان من المتعذّر الوصول إليها في ظل الانقسام السياسي الحّاد الذي كان قائماً».

ويروي خليل وقائع الليلة الأخيرة في الدوحة عندما وصلت كل الوساطات الى طريق مسدود حول قانون الانتخاب: «غادر أمين عام الجامعة العربية (آنذاك) عمرو موسى الدوحة متوجّهاً الى سلطنة عُمان، وأقفلت خطوط الهاتف مع العواصم المتابعة لحوار الدوحة إيذاناً بعودتنا جميعاً الى بيروت من دون اتفاق؛ كنا ومعظم أركان الثامن آذار نتناول العشاء مع الرئيس برّي قبل المغادرة، حين فاجأنا الشيخ حمد بوصوله الى المكان ليقترح بعد الأخذ والرّد تشكيل لجنة مصغّرة علّها تنقذ الحوار في اللحظة الأخيرة. إتّصل أمير قطر بالرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد وأيقظه من النوم وكذلك فعل مع وزير الخارجية السورية وليد المعلم الذي كان في جوهانسبورغ وبوزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل طالباً من الجميع المساعدة في إنقاذ المحاولة الأخيرة. ثم تألّفت اللجنة من الوزير محمد فنيش ومستشار الرئيس الحريري الدكتور غطاس خوري وأنا، أما موضوع النقاش فكان قانون الانتخاب وتحديداً كيفية تقسيم بيروت، توصلنا الى صيغة (قانون الستين معدلاً) اعتبرها النائب عون انتصاراً له، وأعلن الاتفاق. توكّلنا على الله وعدنا الى بيروت».

إذاً لولا التوافق على قانون الانتخاب، يضيف خليل، لما كان تمّ انتخاب رئيس للجمهورية ولا شُكّلت حكومة؛ أي أن القانون المشار إليه كان مفتاح السّلة التي تمّ التوافق عليها في الدوحة، والتي تشبه تماماً «السلّة« المماثلة التي أدرجها رئيس المجلس في جدول أعمال طاولة الحوار في بيروت الآن، وهو جدول «هُندس» بدقّة ولم يكن مجرّد رصف بنود الواحد تلوَ الآخر.

لهذه الأسباب، يتابع خليل، تمسّك الرئيس برّي بعدم إدراج بند قانون الانتخاب على جدول الجلسة التشريعية لأنه يعلم تماماً، كما يعلم الجميع مثله، أنه لا يمكن التوافق على قانون للانتخاب بمجرّد إدراجه في الجدول، وأن هذا الملفّ أكثر تعقيداً من الملفّات الأخرى: «إثنان لا يمكنهما المزاح في موضوع قانون الانتخاب لأسباب كثيرة هما الرئيس برّي والنائب جنبلاط الذي طالما تعامل مع هذا الملفّ بوصفه مسألة وجودية في السياسة، فكيف نسلقه بهذه الطريقة داخل الهيئة العامة للمجلس من دون ملامح اتفاق، على الأقل، حوله؟».

لكن يبقى السؤال: كيف يمكن التوافق على قانون للانتخاب في ظلّ المواقف المتعارضة من حوله؟

يجيب خليل بصراحة شديدة: «لا يمكن لأي طرف سياسي القبول بقانون للانتخاب يمكن أن يقوده الى الخسارة. هذا واقع حال كل القوى السياسية. لذلك فإن المدخل الوحيد لبلوغ التوافق حول هذا القانون يبقى مبدأ «الغموض البنّاء»، أي التوصّل الى صيغة تعتقد من خلالها كل القوى أنها تقودها الى الانتصار، تماماً كما كان حال قانون الدوحة الذي اعتبر بعضهم أنه يقوده الى الانتصار قبل أن يبدأ المطالبة بقانون غيره».

لكن هل يقود النقاش حول قانون الانتخاب من جديد الى عقدة مسيحية يمكن أن تطيح الجهود العتيدة، وتعيد الأمور الى المربّع الأول، خصوصاً أن هذا الملف الذي يمكن معرفة نتائجه سلفاً في الساحات السّنية والشيعية والدرزية يصعب التكهن بنتائجه في الساحة المسيحية؟

أوساط «قواتية» و»عونية» متابعة لهذا الملفّ تكشف النقاب عن حوار بعيد عن الاعلام بدأ بين التيّار والحزب حول قانون الانتخاب، وأن «إعلان النيّات» ضيّق الهوة بين الجانبين في هذا الصدد، وأن حوارهما قطع شوطاً بعيداً في التوافق على المطالبة باعتماد الدائرة الفردية، وهي الصيغة التي ربّما تناسب معظم القوى السياسية الأخرى التي تعارض العودة الى قانون الدوحة من جهة، أو التي تعارض النظام الانتخابي النسبي من جهة ثانية.

فهل تكون الدائرة الفردية مخرجاً لمعظم القوى السياسية؟

لننتظر.