عادت الجمهوريةُ إلى زهوها، وعاد البلد إلى عافيته، ويُسجَّل للرئيس المكلَّف سعد الحريري الفضل الأول في ما عاد إليه البلد، وإنْ ما زالت تشوبه بعض العثرات والعراقيل والأَلغام.
فلو لم يُقدِم الرئيس سعد الحريري على ما أقَدَم عليه من تأييد ترشيح العماد ميشال عون والمساهمة في انتخابه رئيساً للجمهورية، لكان العيد الثالث والسبعون للإستقلال مرَّ كما مرَّت الأعوام التي سبقت:
لا احتفالات، لا عرض عسكري، لا رئيس جمهورية، لا استقبالات تهاني في القصر الجمهوري في بعبدا.
***
الرئيس المكلَّف قام بكل هذه الإنجازات وفتح الطريق أمام نفق التفاؤل، الذي أخرج البلد من نفق الإحباط واليأس والتيئيس.
هو يعرف أنَّ المسألة ليست نزهةً وأنَّ الألغام أكثر من أنْ تُحصى، لذا حين قام بزيارته الرابعة إلى قصر بعبدا، يوم الإثنين، هنَّأ رئيس الجمهورية بالإستقلال، واستأذنه من باب اللياقة، التي درَج عليها، للسفر لمدةٍ قصيرة جداً لمتابعة أعمال حيوية وضرورية بالنسبة إليه، لكن رئيس الجمهورية تمنَّى عليه عدم السفر، والبقاء إلى جانبه، وحضور العرض العسكري وتقبُّل التهاني معه في القصرِ الجمهوري بمناسبة الإستقلال.
نزل الرئيسُ المكلف عند رغبة رئيس الجمهورية على رغم أنَّ لديه أسبابه ليكون في الخارج ولو لبعض الوقت، لكن لظروف الرئاسة أحكامُها، أليس الرئيس المكلّف هو عرَّاب العهد؟
***
يوم الإستقلال حَفِل بسلسلةٍ من المؤشرات لعل أبرزها:
الخلوة الثنائية بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلَّف سعد الحريري، في سيارة الأخير، من جادة الرئيس شفيق الوزان، حيث أُقيم العرض العسكري، إلى القصر الجمهوري، حيث كانت التهاني. هذه الخلوة فكَّكت الكثير من التشنج والعقد، وقد بادر إليها الرئيس المكلّف باعتبار ان الإسراع في التشكيل ينعكس إيجاباً على كل البلد.
الخلوة الرباعية في قصر بعبدا والتي سبقت بدء استقبالات التهاني، ويمكن القول إنَّ المسافة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب قرَّبها الرئيس المكلف سعد الحريري، وبات بالإمكان القول إنَّ منسوب التفاؤل بولادةِ الحكومة قد ارتفع، من دون أنْ يعني ذلك أنَّ كل العقد قد ذُلِّلَت.
***
ومن المؤشرات الإيجابية أيضاً.
شعر المواطنون بأنَّ الدولة عادت:
المؤسسة العسكرية في أعلى درجات الجهوزية.
أركان الدولة، من رئيس جمهورية ورئيس مجلس نواب ورئيس حكومة مكلّف، في الواجهة.
الجهود منصبّة على إعادة تكوين السلطة، وأنَّ اللقاءات التي انعقدت على هامش استقبالات التهنئة في قصر بعبدا، يمكن أنْ تكون ساهمت في تقديم التوضيحات لبعض الأمور العالقة.
***
إنتهى العيد لتبدأ مرحلةٌ جديدة لم يعد خافياً على أحد أن الألغام فيها تستولد الألغام، فإلى أين يمكن أن تصل الأمور؟
يجب أنْ يكون مفهوماً بالنسبة إلى المعرقلين أنَّ الشعب اللبناني لم يعد يقوى على تحمُّل تبعات التعثر السياسي. ففي الأساس كان سبب الجهود لإنهاء الفراغ والشغور هو وقف الإنهيار الذي أصبح يسير بوتيرة متسارعة. اليوم، وفي ظلِ التعثر في تشكيل الحكومة، فإنّه يُخشى أنْ تعود هذه الوتيرة إلى سرعتها، فتنحسر الآمال التي كانت عُلِّقَت على العهد وعلى سيد العهد وعلى رئيس الحكومة المكلَّف.
من أجل ذلك، فإنَّ الجهود يجب أنْ تتضاعف، ويخطئ مَن يعتقد أنَّ التقدم الذي حصل يمكن أنْ يقف عند الحد الذي وصل إليه، فالمطلوب هو المتابعة، وان كانت الأثمان السياسية مرتفعة، فالمواطن دفع أغلى الأثمان، ولا بد من بدء التعويض عليه.