يدخل لبنان عملياً مرحلة التّمديد لمجلس النواب للمرة الثالثة على التوالي، حيث بات مستحيلاً إجراء الإنتخابات في موعدها حتى وفق قانون «الستين»، في حين تتابع المؤسسات المارونية دورة إنتظامها الديموقراطي بلا أيّ خلل.
يُعتبر تداولُ السلطة من المسلّمات الأساسية في المؤسسات المارونية، الدينيّة والمدنية على حدٍّ سواء، فقَد حصَلت عمليّة «انتقال السلطة» في كلّ من «الرابطة المارونية» و«المؤسسة المارونية للإنتشار»، وشهدت الرهبنة اللبنانية المارونية إنتخابات في آب الماضي أدّت الى فوز الأباتي نعمة الله الهاشم برئاستها العامة.
وفي السياق، سيشهد هذا الصيف إنتخابات في الرهبنة الأنطونية، وهذه الرهبنة هي حَبرية، أي إنها مرتبطة بالفاتيكان مباشرة، وتكتسب إنتخاباتها أهمية خصوصاً بعد النهضة التي عاشتها وتطوير المشاريع فيها، وتشييد الأديرة والمدارس والجامعات.
يترأس الأباتي داود رعيدي الرهبنة الأنطونية حالياً، وينكبّ على إنهاء المشاريع التي باشر تنفيذها خلال ولايته لكي يُسلّم الرئيس العام الجديد الأمانة، ويُشهَد لرعيدي حسن إدارته الرهبنة وتركيزه على الثوابت الوطنية وإبعاده السياسة من المؤسسات التابعة لها.
وفي تفاصيل المعركة الإنتخابية، فإنّ إنتخابات الرهبنة الأنطونية ستجرى في 29 تموز المقبل في دير مار روكز- الدكوانة.
وعلمت «الجمهورية» أنّ 4 رهبان بارزين يتنافسون حتى الآن على الرئاسة العامة خلفاً لرعيدي، وكلّ راهب يسعى الى جذب الأصوات اليه، علماً أنّ التمديد أو إعادة إنتخاب الرئيس العام لولاية ثانية غير ممكن نظراً الى الشروط التعجيزية الموضوعة، لذلك يكتفي كلّ رئيس منتخب بولاية واحدة مدّتها 6 سنوات.
يبلغ عدد الرهبان الذين يشكلون الهيئة الناخبة ويُسمح لهم بالتوجّه الى صناديق الإقتراع 150 راهباً أنطونياً، ومن المتوقع أن تشهد الأسابيع المقبلة إنسحابات أو تكتلات إضافية تجعل أحد المرشحين يتفوّق على منافسيه، أو ربما يصل الوضع الى تزكية أحدهم، مع أنّ هذا الأمر مستبعَد جداً.
عُرفت الرهبنة الأنطونية في فترة تولّي العماد ميشال عون رئاسة الحكومة الإنتقالية عام 1988 بقربها منه، لذلك، يُطرح سؤالٌ مهم عما إذا سيكون لهواء بعبدا تأثير في إنتخابات الرهبنة، خصوصاً بعد إنتخاب عون رئيساً للجمهورية؟
وفي هذا الإطار، ينفي مسؤولون كبار في الرهبنة نيّة عون التدخّل في مجريات العملية الإنتخابية، ويقولون إنّ الرهبان لا يقبلون تدخّل أحد في إنتخاباتهم، وعندما يعرفون أنّ جهة ما تحاول فرض نفوذها لينتصر مرشح على آخر يتكتلون حكماً ضد هذه الجهة ومرشحها، وبالتالي من الظلم إتهام رئيس الجمهورية بالتدخّل والحديث عن تأثير سياسي لأنه لا يريد هذا الأمر أصلاً. ويلفتون الى أنّ الفاتيكان يترك الحرية للرهبان، وحتى إنّ السفير البابوي لم يحضر الإنتخابات السابقة قبل 6 أعوام، ومن المتوقع أن لا يحضر الإنتخابات في تموز المقبل.
يؤكد القيّمون على الرهبنة الانطونية «أنّ الانتخابات فرصة لإظهار القيَم الديموقراطية للبنان في الشرق الغارق بالإرهاب والظلام»، ويعتبرون أنّ محاولة إظهار الرهبنة على أنها مع فريق مسيحي ضدّ آخر ليس صحيحاً، فهي أوّلاً مع المصالحة المسيحية ومع المصالحة الوطنية الشاملة، كما أنّها تقف الى جانب رئاسة الجمهورية وكل المؤسسات اللبنانية، وهذا نهجُها.
من هنا فإنّ الرئيس العام الذي سيُنتخب، سيدعم رئيس الجمهورية تلقائياً، وهذا الأمر يعرفه عون جيداً، وبالتالي فإنّ نظرية أنّ لرئيس الجمهورية مرشّحاً، ساقطة، لأنّ الجميع أبناؤه ومعه، ولن يقف مع طرف ضدّ آخر، وهو رابح في كلّ الحالات، خصوصاً أنّ الرهبنة تركّز على الدور الوطني والديني والتعليمي والإستشفائي، ولا تتدخّل في القضايا السياسية نهائياً.
في معرض إجابة أحد الرهبان عن شخصية الرئيس العام المقبل، ومن أين سينتخب الرهبان شخصاً بحجم تحديات المرحلة، يخبر هذا الراهب المعروف بـ«روح النكتة» قصّة مفادها أنّ في القرية يبحث كل شاب عن فتاة ليتزوّجها، لكنّ هناك شاباً يتميّز ويتزوج فتاة كاملة الأوصاف وخارقة، عندها يسأل الناس «كيف نكشا ومِن وين حِضِي فيها؟»، وبالتالي فإنّ هذه القصة تنطبق على الرهبنة، لأنّ الرهبان سينتخبون رئيساً عاماً بحجم المرحلة، وبإرادة «الروح القدس» طبعاً.