Site icon IMLebanon

ماذا بعد تحسين شروط المواجهة؟

 

لم يكن تراجع “التيار الوطني الحر” وتَقدّم حزب “القوات اللبنانية” مسيحياً في الانتخابات النيابية مُفاجئاً بالنسبة الى الأفرقاء السياسيين، بل المفاجأة التي لم يتوقعها البعض تجسّدت بعدد نواب المجتمع المدني أو “التغيير” الذين فازوا في دورة 2022، خصوصاً أولئك الذين انتزعوا المقاعد من نواب سابقين وشخصيات سياسية قديمة بارزة حليفة لـ”حزب الله”. وفي حين أمّنَ “الثنائي الشيعي” المقاعد الشيعية الـ27 كلّها، خسر “حزب الله” الغالبية النيابية، جرّاء الخسارة التي مُني بها بعض حلفائه مقابل بروز غالبية جديدة مكوّنة أقلّه من 4 كتل قد لا تتوحّد بالضرورة في وجه “الحزب” وفي كلّ الملفات.

نجح “حزب الله” في دعم حليفه “التيار الوطني الحر” وأمّنَ له فوز نواب بالأصوات الشيعية في أكثر من دائرة، مثل بعلبك – الهرمل والبقاع الغربي وزحلة وبعبدا وبيروت الثانية، كذلك ساهم التضعضع السنّي في فوز نواب لـ”التيار” تحديداً في عكار. وانتقلت الكتلة المسيحية الأكبر في مجلس النواب من “التيار” الى “القوات”. ففي حين كانت كتلة “التيار” في برلمان 2018 مكوّنة من 22 نائباً فإنها باتت تضمّ 17 في برلمان 2022، في حين باتت كتلة “القوات” ومن دون حلفائها تضمّ 19 نائباً في المجلس الجديد بعدما كانت تضمّ 13 نائباً في المجلس السابق.

 

وفي حين أنّ هذه الأرقام قابلة للزيادة أو النقصان بحسب من ينضمّ الى كلّ من تكتل “التيار” و”القوات”، إلّا أنّه على مستوى الأصوات التفضيلية ظهرَ فارق كبير بين الفريقين لمصلحة “القوات”، وباستثناء ندى البستاني في كسروان التي حازت أصواتا تفضيلية أكثر من النائب شوقي الدكاش، حصل جميع مرشحي “القوات” الآخرين على أصوات أكثر من منافسيهم في “التيار” في كلّ الدوائر، هذا مع دعم “الحزب” لـ”التيار” ورَفده بأصواتٍ شيعية.

 

لكن بمعزل عن الأرقام، وعمّن ستكون كتلته أكبر بنائب أو نائبين، هناك دلالات وانعكاسات عدة لهذا التراجع “العوني” مقابل التقدم “القواتي”، أبرزها أنّ المسيحيين حاسبوا “التيار” والعهد في العملية الانتخابية، فضلاً عن أنّ “حزب الله” فقد غطاء “الكتلة المسيحية الأكبر”، وسُحبت هذه الورقة من يد رئيس “التيار” جبران باسيل الذي كان يستخدمها لتحقيق أهدافه ومطالبه الوزارية وفي التعيينات الإدارية، وباتت الغالبية المسيحية “سيادية”، مع تقدُّم “الكتائب” ووصول شخصيات مستقلة سيادية مقابل تراجع حلفاء “الحزب” المسيحيين، ولا سيما منهم “التيار الوطني” وتيار “المرده”.

 

لكن بالنسبة الى “القوات”، إنّ “المسألة أبعد من مقارنة بين كتلتها وكتلة “التيار”، بل إنّ المعركة الأساسية هي بين مشروعين، الأول مشروع “حزب الله” والدويلة ومن يخطف الدولة في لبنان و”التيار” مُلحق به، والثاني مشروع الفريق الآخر الذي هو ضدّ منطق الدويلة”. كذلك تعتبر “القوات” أنّ الأساس ليس عدد نواب كلّ من الفريقين، ومَن حصل على مقعد إضافي، إنّما الأساس هو النظر الى نسبة التصويت والمقارنة بين الأصوات التفضيلية التي حصل عليها كلّ من مرشحي “القوات” و”التيار”، والتي أظهرت أنّ “التيار” أمام انهيار دراماتيكي على المستوى المسيحي، في وقتٍ عاد الخط المسيحي الأساس لدى “القوات”، وبالتالي إنّ المعركة في مجلس النواب ليست بين “القوات” و”التيار” بل بين مشروعين، بحيث أنّ “القوات” تعتبر نفسها رأس حربة في مشروع الدولة وان “التيار” مُلحق بمشروع الدويلة. وهنا يكمن الخلاف وتكمن المعركة”.

 

وفي حين شكّلت خسارة “القوات” أحد مقعدي بشري بأصواتٍ ضئيلة لمصلحة مرشح تيار “المرده” وليم طوق “غَصّة” لمناصريها، إلّا أنّ “القوات” مرتاحة الى النتيجة التي حققتها نيابياً، وتقول مصادرها: “يجب أن نحترم العملية الديموقراطية، ولا يُمكن أن نحترمها في مكانٍ من دون آخر”. أمّا إذا كانت “القوات” ستطعن بنتائج دائرة الشمال الثالثة، بعد حديثٍ عن تلاعب في صناديق اقتراع المغتربين أدّى الى تفوّق “التيار” على “القوات” بـ”كسور” الحاصل ما أدّى بدوره بحسب قانون الانتخاب الى خسارة مقعد في بشري، تشير المصادر نفسها الى أنّ الدائرة القانونية في الحزب تحضّر وتقدّم شكاوى في ما يخصّ العملية الانتخابية في بعض الدوائر، ومن الممكن أن يكون هناك متابعة لكلّ الملفات. وفي هذا الإطار، يعقد رئيس حزب “القوات” سمير جعجع مؤتمراً صحافياً اليوم، يعرض فيه كلّ الامور المتصلة بالعملية الانتخابية، في حضور جميع نواب “القوات” المنتخبين، كذلك سيُعلن تكتل “القوات” النيابي الجديد.

 

الى هذه النتيجة مسيحياً على مستوى “القوات” و”التيار”، أرخَت هذه الانتخابات حالة جديدة في البلد، بعد “نَعي” البعض مسبقاً إمكانية التغيير، وأظهرت أنّ التغيير والمحاسبة قابلان للتحقق. وفي حين خسر “حزب الله” الأكثرية النيابية، إلّا أنّه لا أكثرية واحدة متراصّة في وجهه، بل باتَ البلد، بحسب جهات سياسية، أمام معركة جديدة، إذ أصبح هناك 4 تكتلات “سيادية” في مجلس النواب: “القوات” وهي الأكبر، “الحزب التقدمي الاشتراكي”، “الكتائب” إضافة الى نواب مستقلّين، ونواب المجتمع المدني. وهذه الكتل الأربع تشكّل الغالبية النيابية في وجه فريق “حزب الله” وحلفائه. وبالتالي بعد أن تمكّن الفريق السيادي من تحسين شروط المواجهة، تبدأ معركته الفعلية الآن، والتي تتطلّب لكسبها “التوحّد” على رأي واحد، من رئاسة المجلس الى شكل الحكومة وصولاً الى رئاسة الجمهورية، وما بين هذه الاستحقاقات الدستورية، استحقاقات تشريعية إصلاحية وعلاجية للأزمة الراهنة.

 

وانطلاقاً من هذه النتيجة، باتت المرحلة المقبلة في لبنان رَهن الأسئلة الآتية: الى أي مدى سيسمح “حزب الله” للفريق المعارِض له، إذا توحّد، بتحقيق “الأرباح” عليه، خصوصاً أنّ “الحزب” ما زال يملك في يده ورقة الميثاقية شيعياً؟ وهل ستنحصر هذه المعركة داخل أروقة المجلس بديموقراطية؟ وفي ظلّ عدم امتلاك أي فريق ثلثَي المجلس، هل من إمكانية للتوافق بين الفريقين وداخل كلّ فريق؟ أم أنّ شكل المجلس الحالي سيُنتج فراغات في المؤسسات تؤدّي بدورها الى البحث في ما هو أبعد من الاستحقاقات الدستورية، وصولاً الى تركيبة النظام اللبناني؟