IMLebanon

أمن الإنتخابات كان سياسياً ومحلياً ودولياً!

لطالما اتُخِذ الوضع الأمني ذريعة لتأجيل الاستحقاقات الوطنية، ولا سيما منها الإنتخابية. فبعد العام 1972 تمّ التمديد لمجلس النواب 21 عاماً لأسباب امنية قاهرة. وفي العام 2013 اتخذت تقارير ثلاثة أجهزة أمنية من اربعة سبباً لتمديد ولاية المجلس فجنّدت كل الطاقات بما فيها تعطيل المجلس الدستوري. لكنّ الظروف تغيرت فقادت الى انتخابات الأمس. فكيف انتفى السبب الأمني؟ ولماذا؟ ولأيّ ثمن؟

أقفلت صناديق الاقتراع مساء الأحد الماضي في المرحلة الأولى في محافظات بيروت والبقاع وبعلبك ـ الهرمل من رباعية أيار الانتخابية البلدية والاختيارية، ويمكن القول انها انتهت الى نجاح أمني كامل وثابت وإداري نسبي.

امّا النجاح السياسي فبقي مرهوناً بحجم التفاهمات التي يمكن ترجمتها في المراحل اللاحقة على رغم هزالة المشاركة الإنتخابية التي رفعت منها نداءات القادة الأقطاب ورؤساء الأحزاب والقيادات الروحية وصولاً الى قرع أجراس الكنائس في زحلة التي رفعت نسبة المشاركة فيها في ساعات ما بعد الظهر من 35 % الى ما يزيد عن 41%.

في اختصار، كانت «معركة أرقام» و»حشد شعبي» في بيروت، و»كسر عظم» في زحلة، و»إثبات وجود» للوائح العائلات في بريتال وبعلبك والهرمل في وجه اللوائح التي دعمها «حزب الله».

ولم تغب المناكفات بين مكونات لوائح بيروت والبقاع، وأبرزها كان في بيت «التيار الوطني الحر» في أكثر من منطقة من الأشرفية وما بين تيار «المستقبل» و«جمعية المشاريع» في بيروت، وما بين «القوات اللبنانية» و«الكتلة الشعبية» ولائحة موسى فتوش في زحلة، وما بين الحزب التقدمي الإشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي في البقاع الغربي.

وعلى رغم مسلسل الشكاوى بالخروقات الأمنية والاشكالات، فقد بقي كل ذلك مضبوطاً تحت سقف أمني معين، ولم تخرج عنه أطراف النزاع ودون توقعات المتوجسين من امن الانتخابات واحتمال وجود من يسعى الى تعكير صفو الأمن للتلاعب بقرار إجرائها ولو في اللحظات الأخيرة التي سبقت فتح صناديق الاقتراع، فجاءت النتائج الأمنية مرضية استحقّت خلالها الأجهزة الأمنية تهاني قياداتها العسكرية والأمنية وتقدير المراجع السياسية والحزبية والروحية والوطنية.

وإزاء هذه الوقائع التي لا نقاش فيها، طرحت مجموعة من الأسئلة حول ما الذي كان حافزاً لتوفير هذا الكمّ من الأمن؟ وهل كان أمنا بحتاً أم أمناً سياسياً؟ وهل كان أمنا محلياً أم امناً دولياً وأممياً؟

وامام هذه الأسئلة لا تتعدد الأجوبة كثيراً، ولا تتناقض، ويسجّل الإجماع عند قراءة هذه الحقائق التي يمكن ردّها الى الأسباب الآتية:

– لم يكن هناك اي فريق داخلي يتجرأ على الحديث عن العنصر الامني في هذه الانتخابات. فما تبنّته الأجهزة الأمنية سابقاً لتبرير التمديد للمجلس النيابي لم يتوافر في الأمس القريب.

بل على العكس فقد أجمعت المراجع الأمنية على قدرتها على ضبط الوضع الأمني ليس لأسباب عسكرية او امنية، بل ليقينها بوجود قرار سياسي واضح وصريح ساهمت هي في تكوينه لعدم التلاعب بأمن الانتخابات. وبعدما تملّكت ما يكفي من التعهدات، راحت تثبت خطواتها الامنية بقوة العارف بوجود خلفية سياسية ضامنة على كل المستويات.

– كان واضحاً تشجيع السفراء من مختلف دول العالم، ولا سيما منهم أولئك المؤثرين في الأزمة السورية والساحة اللبنانية، فشجعوا على الانتخابات البلدية لتجديد السلطات المحلية. وراحت مؤسسات الامم المتحدة أيضاً تساهم في تكوين الأجواء الضامنة لها ولَو بضغوط معنوية عبّرت عنها ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في بيروت سيغريد كاغ عندما سبقت وزير الداخلية نهاد المشنوق في جولاتها على مراكز الاقتراع لتشجّع على الخطوة وتباركها.

– وجود غطاء أمني إقليمي ودولي استفادت منه العملية الانتخابية، ولو لم تكن الهدف منه. فالعالم يدرك مخاطر أيّ خضة أمنية في بلد يتسع ثلث قاطنيه للنازحين السوريين والفلسطينيين، وأي توتير أمني يمكن ان يحيي موجات النزوح واللجوء الى عواصمهم.

ولمنع الوصول الى هذه النتيجة جهدوا من أجل عقد تفاهمات اوروبية مع تركيا قاربت مظهراً من مظاهر «الإتجار بالبشر» عندما نالت تركيا مساعدات بستة مليارات دولار احتسبت قياساً على عدد «رؤوس النازحين» على أراضيها. كذلك أغدقوا المساعدات على لبنان والاردن تحت شعارات متعددة، أبرزها توفير فرص عمل للنازحين والمجتمعات المضيفة لهم للبقاء في أرضهم.

– لم يكن الأمن في لبنان أمنياً بل سياسياً، فكل الخطط التي أنجزتها وزارة الداخلية عندما كان يتولاها العميد مروان شربل في الحكومة السابقة تحت شعارات «الأمن والإنماء والمصالحة» في طرابلس تبخّرت الى حين التفاهم السياسي، فترجمت أمناً في طرابلس وخططاً كانت جاهزة نفذت في أقلّ من اسبوعين ورفع الغطاء لاحقاً عن قادة المحاور والشيخ أحمد الأسير الذين تحولوا من «قادة» الى «سجناء» في ساعات قليلة.

على هذه الخلفيات، التي لا تخفف أيّ قراءة للوضع الأمني من أهمية ما أنجزته القوى العسكرية والأمنية من ترتيبات ضامنة، عبر اليوم الأول الإنتخابي بنجاح أمني وإداري بالاستناد الى معطيات جمعت هذه القوى في إطار سعيها الدؤوب من اجل «أمن استباقي» بات سياسة راجحة وكفيلة لوضع حد لحركة المشاغبين ايّاً كانت قوتهم.

فوجود مليون ونصف مليون نازح سوري ونحو 200 ألف نازح فلسطيني لم يشكل ايّ عبء امني متى كان القرار السياسي بإنجاز العملية الانتخابية متخذاً، فكيف إذا كان لكلّ ذلك ما يكفي من الرعاية الأممية والدولية التي تترجم يومياً بالدعم العسكري والاستخباري المسبق للجيش والأمن العام والقوى الأمنية الأخرى.

وكل ذلك لضمان عبور لبنان المرحلة الصعبة التي تعيشها المنطقة الى حين الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي، فتكتمل دورة الرعاية الدولية التي لم تنته فصولاً بعد. والى تلك الفترة ما على اللبنانيين سوى العيش يوماً بيوم الى حين الفرج، ولكن ما يخيف الجميع هو ان لا موعد محدداً لتلك اللحظة، ولا أحد يعرف متى تأتي؟