يدور البلد في حلقة مفرغة من تعدّد القوانين الإنتخابيّة المطروحة التي إن كانت تؤكد شيئاً فهي تؤكّد أن الأفق اللبناني في التوصّل إلى قانون انتخاب مسدود، المحزن أنّ هذه الدوّامة بدأت تدفع الكثير من اللبنانيّين إلى الظن وبشدّة أنّنا عاجزون عن التفاهم إلا بقوانين غازي كنعان إنتخابيّة، أو بــ7 أيّار تفرض قانون إنتخابي، لا مختلط وأكثري ولا أرثوذكسي ولا تأهيلي نسبي ولا نسبيّة ولا ستين ولا سبعين، لكلّ فريق حساباته ومصالحه وهذه فوق كلّ الاعتبارات بما فيها لبنان!
الأدهى والأمرّ أنّ الأفرقاء يضحكون على اللبنانيّين، الإفلاس المالي ضاربٌ أطنابه في جيوبهم ولن تموّل إيران والسعوديّة ولا رجال أعمال الانتخابات المقبلة، ولا مفاجآت طائرات تأتي بالمغتربين من أصقاع العالم لصبّ أصواتهم في الصناديق، ولا قدرة على حشد الماكينات الإنتخابيّة ولا شراء الأصوات قبيل إقفال الصناديق، هذه العوامل الحقيقيّة التي تتحكّم تحت الطاولة بمصير قانون الانتخابات، والانتخابات نفسها، وهذا ما لا يتجرّأ أي فريق على الإشارة إليه أو الحديث عنه!
نتهمّ حزب الله بالإصرار على النسبيّة لتعطيل الانتخابات مع أن النائب وليد جنبلاط لن يقبل بأيّ قانون غير الستين أو ما يوازيه، كلّ الطوائف والمذاهب تريد حقوقها وفوق حقوقها أيضاً وتريد أن تأكل من حصص طوائف غيرها، كلّهم عابرون للطوائف، ورثة الوصاية يمدّون أيديهم إلى الطوائف الأخرى إلا أنهم ـ ولنقلها بصراحة ـ لا يجرؤون على ترشيح شيعي واحد خلافاً لرغبة حزب الله وحركة أمل!
يوم الأحد الماضي قال البطريرك بشارة الرعي كلاماً متزّناً يحلّ أحجية «لا تمديد.. لا فراغ.. لا قانون الستين»، وهو الكلام المنطقي والدستوري أمام حال الفشل الذريع في التوصل إلى اتفاق على قانون إنتخابي جديد، خصوصاً وأن القانون واضح لجهة الذهاب إلى الانتخاب بالقانون الساري الذي لا يلغيه إلا إقرار قانون جديد، ومع هذا هاجت وماجت قواعد مسيحيّة حزبيّة، بالرّغم من عدم صدور مواقف واضحة عن القيادات!
عشيّة خروج النائب وليد جنبلاط ممتعضاً من فوز فريق الرابع عشر من آذار في انتخابات العام 2009، وإلى التنازلات الصادمة التي توالى تقديمها منذ العام 2010 بحسب رغبة القيادة السعوديّة آنذاك والتي أوصلت إلى الواقع العربي المأزوم من لبنان وصولاً إلى اليمن والمذابح التي يتعرّض لها الشعب السوري يوميّاً، عشيّة ذاك الليل اتخذت قراراً بعدم المشاركة في أي انتخابات تالية لـنتائج العام 2009، لأنّ الطبقة السياسيّة الحاكمة أوصلتنا إلى 7 أيّار ثم خضعت لتقديم التنازلات للفريق الإيراني على حساب جمهور ثورة الأرز، وعلى حساب لبنان!
الفرقاء اللبنانيّون عاجزون من دون وصاية على الاتفاق على أمور لبنان الداخليّة وعلى سياساته الخارجيّة، وهذا ليس وليد السّاعة ولا اليوم والأمس حتى، هذا جزءٌ من الشخصيّة اللبنانيّة المعقدة بفعل مصالح الطوائف المتضاربة، ويبدو أنّ لبنان محتاج دائماً إلى وصاية أو انتداب، نحتاج إلى من يفرض علينا الاتفاق بالقوّة، وهذه حقيقة مُرّة نكتشفها حتى لو رفضنا التسليم بها أو الاستسلام لها، حتى التوافق الأخير على انتخاب رئيس للجمهوريّة جاء في النهاية بنتيجة كلمة سرّ خارجيّة، وأغلب الظنّ أنّ تضييع السنوات الثماني الماضية من دون إقرار قانون إنتخاب قد تفضي إلى كلمة سرّ خارجية تفرض إجراء الانتخابات وفق قانون الستين وعندها سيضطرّ الفرقاء إلى البحث عن تمويل انتخابي والتراجع خطوة إلى الوراء بعد كلّ التصعيد الكبير والتجاذب الذي فرضوه على اللبنانيّين…
التصعيد ثمّ التصعيد والرّفض تلو الرّفض انتهت كلّها إلى التراجع خطوات إلى الوراء، كلّ الفرقاء سبق وتراجعوا وتنازلوا، وقدّموا التبرير تلو الآخر لتراجعهم أو تنازلهم ، للأسف لم يتنبّه أحدٌ منهم أنّ اللبنانيّين من خارج المنظومات الحزبيّة والتياراتيّة والحركاتيّة لم يعودوا يعيرونهم أذناً واعية تصدّق العناوين الكبرى والصغرى التي تطحن لبنان وشعبه في رحى مصالحهم الانتخابيّة والسياسيّة التي تغلّف بسوليفان «المصلحة الوطنيّة» الغائب الوحيد في هذا المشهد العبثي المتكرّر عند كلّ استحقاق «ولك زهّقتونا»!!
ميرڤت سيوفي