IMLebanon

إنتهت الإنتخابات: لِم المواجهة مع المجتمع الدولي؟!

 

«العقوبات» التي اتخذها وزير الخارجية جبران باسيل في شأن ممثلي المنظمات الدولية من جانب واحد، فرضت إعادة نظر شاملة في المواقف من ملف النازحين السوريين. وهي تحتّم البحث عن سياسة وطنية واحدة وموحّدة تضمن أفضل العلاقات مع المجتمع الدولي ترقّباً للمخاطر المتوقعة، وحرصاً على مقررات المؤتمرات الدولية الخاصة بلبنان لتجاوز المرحلة بأقل الخسائر الممكنة. فما هي الدوافع الى هذه القراءة وشروطها؟

بمعزل عن حراك باسيل بصفتيه الحكومية ورئاسة «التيار الوطني الحر»، يجمع الخبراء المنغمسون في معالجة ملف النازحين السوريين على إعطائه الطابع الداخلي في السباق الى السلطة والمضي في مواجهات ومناكفات داخلية يرغب بها اكثر ممّا هي وطنية وشاملة، رغم القدرة على إلباسها «عباءة» وطنية تسمح له بإعلاء الصوت في وجه الشريك الداخلي وكلّ من يناهضه الرأي في طريقة معالجة الأزمة ومظاهرها ونتائجها قبل غيره، والمضي في إحراجه بحثاً عن مواجهة «ديماغوجية» مع المجتمع الدولي وممثليه في لبنان، من دون إغفال ما تقدمه هذه السياسة من خدمات للنظام السوري وإمكان استغلالها في اكثر من محطة ومجال.

فعلى رغم انتهاء الإنتخابات النيابية الى موازين القوى المعروفة، وبعد إقفال صناديق الإقتراع بَدا واضحاً انّ المضي في هذه المواجهة مع المجتمع الدولي يهدف الى استخدامها سلاحاً اعلامياً، وفي السعي الى تشكيل الحكومة الجديدة وضرب صدقية بعض الوزارات من دون احتساب المخاطر المترتبة عليها.

وعليه، يصرّ الخبراء على انّ النظر في ملف النازحين من سوريا على انهم من فئة سياسية واحدة أو من طائفة واحدة، بمَن فيهم من فلسطينيين وعراقيين، فيه كثير من التجنّي على الحقائق، وما هو ثابت انهم فرّوا من بلادهم بسبب الحرب وموجات العنف والتهجير والتدمير التي طاولت مناطقهم وتغيّرت جغرافيتها، فليس غريباً انّ شارعاً قد تحوّل او سسيتحوّل طريقاً عاماً او ساحة واسعة تخضع لإعادة نظر في عملية تنظيم مدني باشَرها النظام في اكثر من منطقة حساسة من دمشق وضواحيها وفي محيط المدن الكبرى.

وعلى هذه الحقائق يبنى كثير من التوصيف لوجع النازحين ومأساتهم الإنسانية التي يعطيها المجتمع الدولي اهمية خاصة، إلتزاماً منه بما تقول به اتفاقات ومواثيق حقوق الإنسان، والتي لم يتطلّع اليها العرب واللبنانيون احياناً عند وقوع النزاعات الداخلية الدموية والإلغائية بين ابناء البلد الواحد، وهي مأساة قد تطول لسنوات. فعلى رغم الفوارق في النظرة الى النازحين السوريين وما شهدته أزمة اللاجئين الفلسطينيين الى لبنان، هناك وجوه شبه يمكن مقاربتها عند ربط عودة النازحين السوريين بإعادة إعمار سوريا او من خلال تكريس النظام القائم او استبداله، فالنتيجة واحدة في جوانب متعددة منها، وهو ما يزيد الأمور تعقيداً وصعوبة عند البحث عن الحلول والمخارج الممكنة.

وفي الجانب اللبناني من الأزمة لم يعد خافياً على أحد حجم المآزق التي يعيشها لبنان الرسمي، فقد ألقت الأزمة أعباء إضافية ينوء تحتها المجتمع المضيف والدولة بكل مؤسساتها بلا استثناء، في وقت عجز المجتمع الدولي والأحلاف التي قامت على وقع الحرب السورية من التوصّل الى حلول سياسية مبكرة توفّر حجم الدمار والتهجير الذي عاشته سوريا الى حدود ما تحقّق الى الآن من فرز طائفي ومذهبي وعشائري وقومي ودمار شامل في بعض المناطق.

ولا يخفى على العارفين بكثير من التفاصيل حجم التقصير الدولي في إغاثة النازحين والمجتمع اللبناني المضيف لأسباب متعددة، منها ما يُلقي بتبعاته على اللبنانيين الذين لم يقرّوا منذ البداية سياسة وطنية جامعة مثلما فعل الأردن وتركيا إضافة الى عدد من دول النزوح. ولو اكتملت الجهود الدولية والمحلية في مقاربتها للملف، لكان السعي ناجعاً لإعادة النازحين للأسباب الآتية:

  • ضرورة حماية الهوية السورية الجامعة للنازحين السوريين ومنع طردهم وتشريدهم من بلد لم يحتلّ من الخارج، وليس منطقياً القول انّ هناك سلطة تعادي شعبها كما حصل في فلسطين المحتلة منذ قيام الدولة العبرية.
  • مساعدة لبنان ودول الجوار السوري على تجاوز ترددات هذه الأزمة الخطيرة، التي جعلت اكثر من ستة ملايين نازح سوري خارج اراضيهم وعلى بعد ساعات قليلة من مجتمعاتهم ومدنهم وقراهم.
  • فشل المجتمع الدولي في الوصول الى التسوية السورية وانغماس جزء منه في اللعبة

 

  • المحنة الداخلية وصولاً الى رعاية عمليات التبادل السكاني بين منطقة وأخرى، عدا عن مشاركة آخرين المباشرة في الاحتلال والسيطرة على أراض وتهجير سكانها واستبدالهم بآخرين توصّلاً الى ما هو قائم من نظام محلي امني وإداري وخدماتي فيها، على اساس ديني او عرقي او قبائلي.

ولذلك، تبدو المواجهة اليوم بين وزارة الخارجية وممثلي هذا المجتمع في غير أوانها ومكانها ومراميها، وخارج سياق ما هو مطلوب من تعاون، وهو ما قد يؤدي الى عرقلة كثير من خطوات تعزّز الإستقرار الداخلي وتقوّي المؤسسات الرسمية المكلفة مواجهة هذه المعضلة. وعليه، طرح السؤال عن مصير ما بُني من إنجازات واحلام لتطبيق نتائج «سيدر 1» وما يقوم به وزير الخارجية. فمرحلة الغزل بتفهّم المجتمع الدولي لا تترجم بالقرارات العقابية الأخيرة في حق ممثليه، والحديث عن مخاطر التوطين يفرض أداء مختلفاً مع المجتمع الدولي خارج قواعد الإشتباك المفترضة لتعزيز التعاون معه واستمرار اعتراف لبنان بالشرعية الدولية ورعايتها، وخصوصاً انّ المفوضية العليا لشؤون النازحين هي المرجع المعترف به دولياً وعربياً وإقليمياً وفق مسارات جنيف وآستانة وسوتشي، وغيرها في ما خَصّ الأزمة السورية.

ولذلك، يجدر السؤال عن الاسباب التي حالت دون وجود سياسة عامة موحدة للدولة اللبنانية الى اليوم، في وقت سجّلت أكثر من عملية انقلاب نفّذنها وزارة الخارجية على مقررات مؤتمرات متعددة، ربما كان لها ما يبرّرها قبل الإنتخابات النيابية لتوجيه تهمة «الخيانة» الى الشريك الآخر في المسؤولية والوطن. لكن ذلك بعد عبور الإنتخابات باتَ نوعاً من الإنتحار الذاتي، وهو أمر يفهم المعنيون به حجم المخاطر المترتبة عليه، وتحديداً عند المضي بهذه السياسة من طرف واحد لإبقاء الملف مطروحاً في البازار السياسي الداخلي والاشتباك الخطير بين ابناء الحكومة والسلطة الواحدة.

وعليه، طرحت سلسلة من الأسئلة التي ربما تتوافر الأجوبة عليها قريباً، ومنها:

  • من هو المستفيد من الإشتباك مع المفوضية العامة لللاجئين؟ وكيف يمكن استثماره حكوميا او سياسيا؟
    • من هو المستفيد من معركة وهمية لا يمكن ان تؤدي الى اي انتصار فِعلي على مؤسسة دولية أناط العالم بها برامج اعادة النازحين وتنظيمها؟
    • من الذي يمنع الوصول الى اعتماد سياسة هادئة وضاغطة بحوار مباشر مع رعاة الحلّ في سوريا، والموزّعين بين موسكو وانقرة وطهران وواشنطن وغيرها من الدول الراعية لوحدة لبنان وسلامة اراضيه واستقراره؟