لم يكن العاملون في الصحف، أو المحرّرون، متحمّسين لمعرفة نتائج انتخابات نقابتهم التي أجريت أمس. الحديث هنا عن نقابة محرّري الصحافة اللبنانيّة. لائحتان «متنافستان» في الظاهر، أمّا في العمق، ولا مبالغة، فلا جديد حتّى على مستوى لغة البيانات الخشبيّة والأدبيات المملّة. وحدها «السُلطة» رابحة في مطلق الأحوال، سواء فاز هذا أم ذاك، طالما أنّها، بالتواطؤ مع أصحاب النفوذ والمصلحة بين أهل المهنة، تُحافظ على الصيغة القديمة. تلك الصيغة التي تبقى النقابة بموجبها «تحت السيطرة». حصل خرق مِن لائحة للائحة، أمس، بعدد مِن الأسماء… إنّما الأمر ليس أكثر مِن مجرّد أسماء.
سيّدة سبعينيّة، تقريباً، تسأل جليسها معترضة: «ليك، دخلك كيف بكلّلوا مسيحي على مسلمة بالكنيسة». يُجيبها الجليس، الزميل سعيد غريّب، قائلاً: «بتصوّر بيعتبروها مسلمة». لم يقنعها الجواب: «كيف بيعتبروها هيك». يُجيبها مُجدّداً: «والله هيك ما بعرف. بس في وحدة عمّدوها وصارت مسيحيّة». ذات الرداء الزهري، الزميلة ربّما، تقول متبرّمة: «يعني إذا عمّدوها بتصير مسيحيّة، غريب فعلاً». ينتهي هذا الجزء مِن «الدردشة» عند هذا الحدّ. حصل هذا الحوار «الاستراتيجي» يوم أمس، في بهو القاعة التي كانت تشهد انتخابات نقابة محرّري الصحافة اللبنانيّة، تحديداً قبل دقائق مِن إقفال صناديق الاقتراع. حوارات الزملاء الذين توافدوا، مِن الصباح حتّى المساء، عن «أحوال المهنة» وما إلى ذلك، كانت «مقتّلة بعضها». هي نقابة درَج العرف، العرف اللبناني إيّاه، أن يكون رئيسها مسيحيّاً، ونائبه درزيّاً، أمّا «الصندوق» فمِن حصّة الشيعة. نقابة كذلك لا يكون في ظلّها حوار الزميل المذكور مع السيّدة مُستغرباً. هو ليس مستغرباً، عموماً، في بلادنا وسائر المشرق.
إنّها الخامسة مساء. بدء فرز الأصوات. يجلس النقيب، الياس عون، على كرسيه منصتاً لسماع الأسماء المذاعة. ينفث دخان سيجاره الثخين. أتراه يُصبح نقيباً سابقاً بعد ساعات؟ لو فاز فستكون هذه ولايته الثالثة. لو أُقرّ مشروع القانون الذي عمل عليه وزير الإعلام، ملحم الرياشي، قبل هذه الانتخابات، لما كان بإمكان عون أن يترشّح للمنصب مُجدّداً. مشروع القانون، الذي غطّ في سُبات عميق لدى مجلس الوزراء، يحظر أسطورة «النقيب الأبدي». لم تكن قلّة حماسة النقيب الحالي لذلك المشروع عبثيّة. أمّا نقيب الصحافة، وللتذكير فإنّ هذه غير نقابة محرّري الصحافة اللبنانيّة، عوني الكعكي، فتمسّكه بالنص القديم (الحالي) باتت أسبابه معروفة. هو عين السُلطة على الصحافة… في «بلد الحرّيات». يتمسّك بالقديم الذي، ولأسباب خرافيّة، يُتيح له أن يُحدّد مَن سيُضمّ إلى جدول المنتسبين لنقابة المحررين. أن يكون لك الحق القانوني، وإن اعتباطاً، أن تُحدّد مَن يدخل النقابة ومَن «يُشطب» مِنها، فهذا امتياز جدير بأن يُقاتل مِن أجله… هذا ومعك «كلّ السُلطة». هكذا يُعرَف، سلفاً، أن الأصوات ستصبّ لمصلحة مَن يُراد أن تُصبّ لمصلحته. يكون كلّ شيء «تحت السيطرة».
لائحتان كانتا «تتنافسان» أمس. تجد في اللائحة الأولى أسماء لأشخاص ينتمون لجهة سياسيّة ما، ثم تجد في اللائحة الثانية أسماء لأشخاص ينتمون للجهة السياسيّة نفسها، وهكذا. ربّما ينخدع البعض فيظن أنّ المسألة نقابيّة بامتياز. هي ليست كذلك. الجميع هنا، نقابياً، مِن «قماشة» واحدة. إنّها «السُلطة» التي تعمل لأن تكون مثل المنشار، يعني «على الطالع آكل وعلى النازل آكل». الخسارة ممنوعة. في الانتخابات السابقة فازت لائحة واحدة، تشكّل منها مجلس النقابة، ومِن هؤلاء مَن توزع اليوم على اللائحتين «المتنافستين». هذا ليس لغزاً. طبعاً، هنا علينا ألا نتوقّف عند تصريحات المرشّحين، الرهيبة في تخشّبها، التي تتحدّث عن انتخابات ديموقراطيّة وشفافة ونزيهة. لسببٍ ما لا يملّ أصحاب هذه التصريحات مِن أنفسهم. على أحد ما أن يدعو موسوعة «غينيس» (أو ما يشبهها) لتُسجّل واقعة عجيبة حصلت أمس. أعضاء مِن مجلس النقابة، مِن هيئة الإشراف على الانتخابات تحديداً، هم مِن المرشّحين في الانتخابات، بل إنّ بعضهم كُلّف عمليّة فرز الأصوات بنفسه! أحدهم يذيع الأسماء، بعد فتح كلّ مغلف، ويحصل أن يذيع اسمه مِن بين الأسماء بين ورقة وأخرى. كان يُمكنه أن يقول: «أنا». طبعاً لم يخرج أحد، مِن بين مئات الصحافيين الحاضرين، ليُعلن أنّه انتبه لتلك «العجيبة». هكذا، كان «التجليط» شغّالاً. هكذا تُريد «السُلطة» أن تكون «صحافتها». بالمناسبة، كلّ نقابات المهن الحرّة، في لبنان، تُجرى انتخاباتها في مقرّها الدائم… باستثناء «المحررين». انتخابات أمس أجريت في «فوروم دي بيروت». يحصل ذلك على سبيل الإيجار أو «العيرة». عندما وصل المعنيّون صباحاً إلى هناك، أمس، وجدوا أن الطبقة الأرضيّة غير جاهزة، وذلك لشغلها بنشاط آخر. ما العمل الآن؟ يا للفضيحة «بجلاجل». جرت اتصالات وأشياء، فكانت النتيجة أن تحصل الانتخابات في الطبقة الثانية. لا وجود لمصعد كهربائي. أحد الزملاء يسخر: «هي نقابة هرمة، وأكثر المسجّلين على الجدول هم مِن الطاعنين في السن، قلّة قليلة فقط مِمَن هم في متوسّط العمر». كان صعباً على كثير مِمَن حضروا، أمس، أن يصعدوا الدرج. ليس غريباً أن يكون كبار السنّ في نقابة تحميهم، تُغطّي عجزهم، تضمن شيخوختهم، إنّما الغريب أن يُصبح هؤلاء هم الأكثريّة الساحقة مِن أعضاء اللجنة العموميّة للنقابة. هذه نتيجة طبيعية لـ«هرطقة» فتح الجدول وإقفاله متى شاء «الكعكي» وسائر «الكعكيين» مِمَن سلف.
يُمكنك أن تكون «لحّاماً» وتنضم إلى نقابة محرّري الصحافة فيما يصعب عليك ذلك وأنت مِن المُحرّرين
عُلِم أمس أنّه قبل انتهاء مهلة الترشّح، قبل نحو أسبوعين، ذهب أحدهم إلى مقرّ النقابة القديم في منطقة الأشرفيّة. جاء ليُقدّم أوراق ترشّحه. فوجئ ألا نقابة هنا. هذا «عضو» لم يزر نقابته، أقلّه، منذ نحو عشر سنوات. هذا نموذج عن «العضويّة» في النقابة إيّاها. تداول بعض الزملاء، أمس، أن أحد المرشّحين لا يعرف أحداً ولا يعرفه أحد تقريباً. يبدو أنّه ظهر فجأة. الغريب أنّه ليس منفرداً، بل ضمن لائحة، لكن الأغرب ما ردّده بعض الزملاء عن كونه «لا يعمل، عمليّاً، في المهنة أصلاً». ما عمله؟ الجواب: «بيع الكرافاتات والألبسة». وتكرّ سبحة سرد الغرائب: «هل تعلم أنّ أحد المسجّلين في جدول النقابة يعمل لحّاماً؟ نعم، لديه ملحمة. اسمع بعد، هناك عضو قديم نجح في تسجيل أبنائه في الجدول، أحدهم طبيب، وكلّ ذلك طمعاً بمبلغ 300 دولار سنويّاً عن كلّ اسم». مَن يروي هذه الحكايات ليس حكواتيّاً، وليس هاوياً، بل، بحكم عمله وصلاته يعرف ما يجري في الداخل. ليس وحده مَن يتكلّم عن ضرورة «تنقية الجدول». تلك الحكايات العجائبيّة «بلغت حدّ التواتر». هكذا يكون «اللحّام» عضواً في النقابة فيما أنشط الصحافيين، مِن «ذوي الدم الحار» فعلاً، تُقفَل أمامهم أبواب الجدول.
بالمناسبة، عدد الذين ترشحوا للانتخابات بلغ 37 مُحرّراً، وذلك على الورق عند إقفال باب الترشيحات. أما الذين خاضوا «المعركة» في النهاية فكان عددهم 25 مرشّحاً فقط. هذا يعني أن 12 مرشحاً انسحبوا، على رغم أنّ لبعضهم «صيتاً طيّباً» بين الزملاء، وكانت لديهم حماسة للعمل، لكن يبدو أنه كانت للأحزاب السياسيّة حسابات أخرى.
الزميلة سكارليت حدّاد، العضوة الحاليّة في مجلس النقابة والمرشّحة أيضاً، هي مِن قلّة هناك مِمَن يمكن «الأخد والعطى» معهم. لا تُريدنا أن نسخر مِن النقابة، وهذا مفهوم، مع أنّها تطلب بوضوح «فكّ الارتباط بين نقابة المحررين ونقابة الصحافة، لأنّ هذا ما يعيق دخول أعضاء جدد، أو بالأحرى فتح الجدول. القانون الذي قدّمه الوزير رياشي جيّد ويجب أن نعمل على إقراره». تختصر كلّ المشهد: «السُلطة ما بدها تفوّت ناس جداد على النقابة». هذه هي نتيجة الانتخابات الفعليّة، بصرف النظر عن الأسماء، وعن شبه التنافس الذي ستظهره الصناديق. انتهت الانتخابات.
«نقابة ديناصورات»
قرابة الواحدة مِن فجر اليوم، بدأت النتائج شبه النهائيّة لانتخابات نقابة محرّري الصحافة اللبنانيّة بالظهور، وإن على شكل تسريبات. ظهر أنّ ثلاثة أسماء مِن لائحة «القرار الحرّ» خرقت لائحة «الوحدة النقابيّة». الثلاثة هم أندريه قصّاص وإلياس عون وحبيب شلوق. وكانت لائحة «الوحدة النقابيّة» تشكّلت مِن 12 مرشحاً، وهي بالتالي لائحة مكتملة، ضمّت كلّاً مِن: جوزف القصيفي، جورج البكاسيني، علي يوسف، جورج شاهين، واصف عواضة، سكارليت حداد، مي سربيه شهاب، نافذ قواص، خليل فليحان، صلاح تقي الدين، يمنى شكر غريب وأحمد درويش. أما اللائحة الثانية، التي حملت اسم لائحة «القرار الحر»، فتشكّلت مِن 11 مرشحاً، هم كلّ مِن: إلياس عون، أندريه قصاص، منير نجار، حبيب شلوق، داود رمال، تمام حمدان، ريما صيرفي، يوسف دياب، فيرا جولهجيان، رمزي مشرفية ونجم الهاشم. أما أنطوان شدياق ومي أبي عقل فكانا مرشّحين منفردين. بلغ عدد الذين اقترعوا 578 مِن أصل 727 يحقّ لهم الاقتراع (سدّدوا الاشتراكات). كان لافتاً أنّه حتى قرابة الساعة الواحدة، مِن فجر اليوم، لم تكن النتائج الرسميّة قد صدرت بعد، علماً أن عدد المقترعين لم يكن بالملايين ولا حتّى بالآلاف. هذه إشارة إلى آليات العمل المتخلّفة التي ما زالت تعمل بها النقابة، مقارنة بنقابات أخرى، وبالتالي يؤكّد ذلك مقولة سائدة بين عدد مِن الصحافيين عن أنّها… «نقابة ديناصورات».
من ملف : نقابة المحررين: أوقفوا هذه المهزلة!