Site icon IMLebanon

الموسم الانتخابي و”معترك تسييسه” مع انطلاقة العدّ العكسيّ له

 

إذا كان بالمستطاع مقاربة الأوضاع اللبنانية على حدة، يفترض أن تشكّل فترة الأعياد فاصلاً بين شريطين: شريط من الأحداث والاختبارات طبع الأشهر الأخيرة، منذ معارك جرود عرسال وبعلبك، ووصولاً الى اعتماد مبدأ النأي بالنفس مدخلاً لاستئناف العمل الحكومي. وشريط من المنتظر أن يُقلع بعد استراحة الأعياد، وعنوانه الأبرز: الموسم الانتخابي.

في الواقع، كان البلد يعيش هذا الموسم الانتخابي قبل عام، مرتبطاً بمسألة البحث عن قانون للانتخاب، والمفارقة انه ما ان جرى الجمع بين اجتراح قانون انتخابي، وبين تأجيل الاستحقاق للمرة الثالثة، فقد تراجعت الحيوية الانتخابية التي كانت قد بدأت تأخذ حيّزاً وافراً لها، أو لم تعد تظهر في شكلها المباشر، ولو بقيت حسابات الأطراف الأساسية هي حسابات معلّقة باللحظة الانتخابية المزمعة، وبطبيعة ما يفترضه القانون الجديد من تحديات بالنسبة إليها.

السؤال الذي يتّجه لأن يطرح نفسه أكثر فأكثر في هذا السياق هو اذا كانت الانتخابات المقبلة هي استحقاق تخوضه الأطراف المختلفة بخلفية أو هاجس لديها لتشكيل أكثرية برلمانية، يجمعها ائتلاف أو مجموعة تقاطعات، وما اذا كانت هكذا أكثرية ستمهّد لإعادة اعتماد القاعدة الديموقراطية الأساسية، أو وجود أكثرية تحكم وأقلية تعارض، أو أنّ الاستحقاق العتيد، المؤجل ثلاث مرات، لا يصل بطموحه الى هذه النقطة.

استحقاق 2009 خيض على أساس سعي ائتلافين متواجهين انتخابياً إلى فوز كل منهما بالاستحقاق ككل، وتشكيله أكثرية برلمانية. لم تصمد هكذا أكثرية أكثر من أيام معدودات، هذا صحيح، ولم يكن مقدّراً لها من الأساس أن تتشكّل في حكومة وتتشكّل الأقلية البرلمانية في معارضة، هذا ليس بجديد في الأوضاع اللبنانية. لكن على الأقل، يوم توافدت الناس على الصناديق، ولو كان في ظل قانون انتخابي يعتمد القضاء بالنظام الأكثري، فإنها فعلت ذلك في حسابين في وقت واحد، لتنتخب على مستوى دائرتها، ولتنتخب على مستوى ترجيح الكفّة لمن سيظفر بمكانة الأكثرية، أو بهالة الأكثرية، أو أقلّه بـ “تذكار” الأكثرية في هذا الاستحقاق.

فهل أصبح مفروغاً منه اليوم أن الاستحقاق العتيد بعد خمسة أشهر ليس فيه من الأساس “تقصّد” تشكيل أكثرية برلمانية من أي نوع، أو أنّه على العكس تماماً، يميل إلى تشكيل نوع من الأكثرية، إنما بشكل مختلف عن الأشكال والانطباعات التي عرفناها في الاستحقاقات الماضية؟ هو اليوم سؤال شائك، وليس بالمستطاع توفير معطيات لازمة للإجابة عنه، لكنه “سؤال – هاجس” وسيفرض نفسه أكثر فأكثر، بحسب درجة “تسييس” الاستحقاق النيابي.. على ما في هذا الوصف من مفارقة، كون الاستحقاق النيابي هو منتج للسياسة بامتياز، والتذكير بـ “تسييسه” هو نوع من الانتباه الى أزمة تطاول مفهوم السياسة ومعنى الحياة السياسية في لبنان في السنوات الأخيرة، وفي هذه الآونة أكثر فأكثر.

بمجرّد أن يعتمد قانون انتخابي على النسبية يكون قد ارتضى الاقتراب أكثر من مفهوم الأكثرية والأقلية في الندوة التمثيلية – التشريعية، هذا المفهوم الذي يمكن أن توضع له ضوابط، مخففات، محسّنات، استثناءات، لتكييفه مع الوقائع الطوائفية اللبنانية، لكن لا يمكن تنحيته بشكل مطلق، ولم يحصل أساساً أنّه جرت تنحيته بشكل مطلق عن مسرح السياسة اللبنانية، والعملين البرلماني والحكومي.

فماذا تكون الكلمة الهادية التي على أساسها سيجري العمل لتشكيل أكثرية برلمانية تخرج من صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة؟ استعادة لبرامج 2009 الانتخابية؟ استعادة لنصوص التسويتين الرئاسية والحكومية؟ أو أنّه ينبغي انتظار مآل سياسة “النأي بالنفس” في هذه الفترة التي تفصلنا عن الاستحقاق، وفي موازاتها مآل الأمور في الاقليم ككل؟

قد يكون من السابق لأوانه كثيراً الحديث عن أكثرية وأقلية في الانتخابات القادمة، لكن الموسم الانتخابي لن يدخل “معتركه السياسي” إلا عندما يقارب التداول هذا الهاجس بالتحديد، في حين انه حتى الآن محكوم بـ “البوانتاج” الأوّلي الذي يُجريه كلّ فريق، والذي على أساسه يطرح أحصنته القديمة، أو الجديدة، للسباق. لكن، ليس بـ “البوانتاجات” الفرعية وحدها تُخاض الانتخابات، تُخاض بمعيار تشكيل أكثرية برلمانية في المجلس القادم، سواء كانت أكثرية ستحكم وحدها أو ليس لوحدها، وسواء كانت أكثرية “مزمنة” أو غير مزمنة.