IMLebanon

أزمة الكهرباء .. بين الحل الموعود والشك المريب

سألني صديق عن السبب في توقفي في الأسابيع الأخيرة عن كتابة المقالات، فأجبته أن السبب الرئيس كان شهر رمضان المبارك الذي قضيته مع الله بعيداً عن المآدب العامرة وعن السياسيين وخطاباتهم الرنانة ووعودهم الطنانة. والسبب الآخر أن ما أكتبه ويكتبه غيري من المخلصين لوطنهم والصادقين في حبه لا يلقى اهتماماً من المسؤولين فيبقى صرخة في وادٍ، و»فشّة خلق» لنا وللناس الطيبين والمقهورين.

هناك في جعبتي ملفات كثيرة ومهمة كنت قد تناولتها في مقالات سابقة، وتناولها الإعلام ولا يزال، ولم نلمس حلولاً لها حتى الآن، رغم ما نسمعه من المسؤولين باستمرار عن حلول جذرية لها باتت جاهزة وفي طريقها إلى التنفيذ.

ومن هذه الملفات ملف الكهرباء المثير للجدل والمماحكات السياسية، من التقنين القاسي للتيار الكهربائي وانقطاعه المستمر وعدم انتظامه في ساعات التغذية، ما يؤدي إلى أضرار فادحة على صحة المواطنين وأجهزتهم المنزلية الكهربائية. وأصبح حل أزمة الكهرباء المزمنة مثل حكاية «إبريق الزيت» بدأت بموافقة الحكومة في العام 2010 على خطة وزير الطاقة السابق جبران باسيل التي اعتمد لها مبلغ مليار ومئتي مليون دولار من أجل تأمين التيار الكهربائي 24/24 ساعة، فإذا بالمبلغ يتبخر والكهرباء من سيء إلى أسوأ.

وقد استبشر اللبنانيون خيراً بوعد دولة الرئيس سعد الحريري في شهر نيسان الفائت بتيار كهربائي شبه متواصل في نهاية شهر أيار، بحيث ينعم لبنان بصيف منوّر وبارد تنتعش فيه حركة السياحة ويعود موسم الاصطياف إلى عزّه السابق. وإذ بنا ونحن في شهر تموز لا نزال نعيش في الظلام ونكتوي بلهيب الصيف القائظ. ووضع البعض وعد دولته بالحصول على الكهرباء خلال شهر واحد في خانة تبريد النفوس الغاضبة على تلكؤ الحكومات السابقة في معالجة ملف الكهرباء وهو ملف حيوي يتعلق بحياة الناس وحاجاتهم، واستعادة ما فقده من دعم شعبي نتيجة غيابه الطويل عن الوطن لظروف باتت معروفة للجميع، لكنّني من القائلين بأنّه كان صادقاً في وعده من أجل انتشال البلد من أكثر أزماته قسوة وإيلاماً، والتي تنهك الوضع المالي للدولة وتؤثر على القطاعات الإنتاجية فيها، وهي أزمة الكهرباء.

ويعلم القاصي والداني أن التعويض السريع للنقص في التيار الكهربائي من خلال استقدام معامل توليد الكهرباء العائمة التي وردت في خطة الكهرباء التي أقرتها الحكومة يحتاج تنفيذه إلى أكثر من ستة أشهر، من تجهيز دفتر الشروط لإجراء مناقصة استئجار باخرتين إضافيتين لإنتاج الكهرباء، والإعلان عنها واستدراج العروض وفضها والموافقة على العرض الأنسب وإعلام الشركة الفائزة وتجهيزها للباخرة الأولى التي كان من المفروض وصولها إلى لبنان في شهر أيار، وفق وعد الحريري.

ويدفعنا الوعد المتسرّع إلى التساؤل: هل ما حصل كان نتيجة عدم تقدير دولته وهو رئيس السلطة التنفيذية للوقت اللازم نتيجة اندفاعه العاطفي وتيقنه من عدم وجود معارضة رسمية وشعبية لحل ينهي أزمة مزمنة، يعاني الناس من آثارها السلبية منذ زمن طويل وتهدد المالية العامة والاقتصاد الوطني، أم أن الأمر يتخطى ذلك إلى وجود صفقة جاهزة، حامت حولها بعد كشف بعض تفاصيلها شبهات كثيرة. وأنا لا أسمح لنفسي بأن أضع دولته في موضع الشك، ولكن ربما يكون بعض الذين يحيطون به وبغيره من المسؤولين النافذين هم مَنْ يجب وضعهم في هذا الموضع؟

ومن الأمور التي أثارت الشبهات طريقة استدراج العروض التي لم تعطِ مهلة كافية للشركات العالمية لتقديم عروضها، ما يشير إلى ترتيب الموضوع مسبقاً مع شركة محددة. وكذلك الأسعار المرتفعة التي قدمتها هذه الشركة والتي تفوق ما تتقاضاه من دول أخرى تقدم لها الخدمات ذاتها. وما زاد الناس ارتياباً هو ما جرى من تعديل في قرار مجلس الوزراء، الذي لم يكن في رأي كثيرين بريئاً، المتعلق بوضع ملف الكهرباء في عهدة إدارة المناقصات، والذي أُعيد تصحيحه بطلب من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحت ضغط من وزراء يرفضون المناقصات المشبوهة التي تتخطى المؤسّسات الرقابية.

وبعد ضياع شهرين ثمينين من الوقت سلك ملف بواخر توليد الكهرباء الطريق الصحيح حيث أصبح برمته في عهدة إدارة المناقصات، التي نتمنى على المسؤولين فيها التعامل معه بسرعة وبشفافية. فقد حان الوقت كي يشعر اللبنانيون بأنهم أصبحوا يعيشون في دولة تحترم مؤسّساتها الرسمية وتقدم الخدمات الضرورية والأساسية لمواطنيها بطرق سليمة وأساليب شفافة، بحيث لا تحمل الجيل الحالي والأجيال المقبلة ديوناً تثقل كواهلهم.

والسؤال: هل سنشهد، بعد كل هذه المماطلة والمناكفات، حلاً قريباً لأزمة الكهرباء، أم أن هناك شيئاً مريباً يدبر في الخفاء لقطاع الكهرباء؟