مقولةُ أنَّ الدولة تاجرٌ فاشل تتأكد يوماً بعد يوم، وسلعة الكهرباء هي أسطعُ دليل على ذلك:
فواقع الكهرباء منذ ربع قرن هو التالي:
الدولةُ أنشأت المعامل وأنجزت محطات النقل وأوصلت الكهرباء إلى البيوت واشترت المحروقات لها، لكنها في نهاية المطافِ تبيع هذه السلعة بأقل من كلفتها، فكانت النتيجة أنَّ الديون على مؤسسة كهرباء لبنان اقتربت من 30 مليار دولار، فما هذه العبقرية؟
وفّرت على المواطن أنْ يدفع الكلفة الحقيقية للكهرباء، لكن في نهاية المطاف سيدفع هذه الكلفة على شكل ضرائب لتسديد عجز الكهرباء.
على سبيل المقارنة، لو أنَّ الأمرَ عينه يُطبَّق على فاتورة الخليوي، بمعنى أنْ تستوفي الدولة أقل من الكلفة الحقيقية للمكالمة، فكم يصبح العجز على شركتي الخليوي في هذه الحال؟
أكثر من ذلك، لماذا على الدولة أنْ تخسر وعلى أصحاب المولِّدات أنْ يربحوا؟
لماذا تأتي فاتورة أصحاب المولِّدات أعلى بكثير من فاتورة مؤسسة كهرباء لبنان؟
لماذا يرفض أصحاب المولِّدات تركيب عدادات لزبائنهم؟
هل ليستمروا في قبض فاتورة أعلى بكثيرٍ مما يصرف المواطن؟
لماذا وعدت الدولة بأنّها ستركِّب العدادات حتى ولو اعترض أصحاب المولدات، ثم تراجعت عن هذا الوعد؟
هذه هي المأساة الحقيقية من دون لفٍ ودوران، وهذه هي المأساة بكل بساطة وتبسيط، من دون تعقيدات وفلسفة.
واربت الدولة على الناس بأنّها تعطيهم كهرباء بأقل من كلفتها، لكنها ستأخذ منهم قيمة العجز المترتب عن هذه السياسة الخاسرة، وذلك من خلال الضرائب، التي ستزيدها من أجل استرداد ما أعطته لهم وهي ثلاثون مليار دولار حتى اليوم، والمبلغ آخذ بالصعود طالما أنّ هذه السياسة الحكيمة مستمرة.
الحكومة متنبِّهة لهذا الأمر وتحتاط له جيداً، خصوصاً أنَّ مؤتمر باريس – 4 الذي سينعقد في السادس من نيسان المقبل سيسأل لبنان عن الإصلاحات، التي أدخلها وسيدخلها على قطاعاته كافة، ومنها الكهرباء، فبماذا سيجيب؟
هل سيقول إنّه يبيع الكهرباء للمواطنين بأقل من كلفتها؟
هل سيقول إنَّ نسبة كبيرة من المواطنين يستهلكون الكهرباء من دون أن يدفعوا أية فاتورة؟
هل سيقول إنّه غير قادر على تركيب عدادات ذكية تحدد كلفة استهلاك كل مواطن؟
مؤتمر باريس – 4 يحتاج إلى أجوبة عن هذه الأسئلة وعن غيرها، وإلا لماذا يخاطر في تقديم ستة عشر مليار دولار، وهي حجم ما يطلبه لبنان؟
رئيس الحكومة سعد الحريري يعي تماماً هذه الهواجس وهذه التساؤلات، ولهذا فإنّه يعكف على ترؤس اجتماعات ماراتونية، ويسابق الوقت من أجل الوصول إلى مؤتمر باريس – 4، وقد أعدَّ جيداً الملفات والأرقام والأجوبة لإقناع الدول المشاركة في أنْ تقدم المساعدات والقروض الميسَّرة.
إنْ نجاح المؤتمر يكمن في وضوح الأجوبة التي سيحملها معه الوفد اللبناني برئاسة الرئيس الحريري، الذي بات في حوزته جزء من هذه الأجوبة.