في إطار زيارته إلى لبنان طرح رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني سلسلة عناوين لـ»التعاون بين بيروت وطهران»، منها ملف الكهرباء الذي يستنزف الدولة اللبنانية بالنسبة الكبرى من العجز في الموازنة وفي سوء الخدمة في آن واحد، وذلك بعد عقدين على الأقل من استلام وزراء من محور الممانعة لهذا القطاع وعشر سنوات من تولي التيار الوطني الحر لحقيبة الطاقة والمياه.
قال لاريجاني: «بإمكاننا التعاون مع لبنان في العديد من المجالات فمثلا يمكن للبنان ان يستفيد من الطاقات في ايران بملف الكهرباء لبناء المزيد من المنشآت الكهربائية والقرار في هذا الاطار يعود دائما للشعب اللبناني».
كلام لاريجاني يستدعي مناقشة في البعدين اللبناني والإيراني لملف الكهرباء، وما سرّ هذا التزاحم عليه في هذا التوقيت، ولماذا جعله المسؤولون الإيرانيون من أولوياتهم في التعاطي مع لبنان؟؟
إيران: هل بإمكانها تصدير الكهرباء؟
أظهرت بيانات أصدرتها وزارة الطاقة الإيرانية تراجع معدل تصدير الكهرباء بنحو 54% إلى بلدان مجاورة أبرزها العراق منذ 21 مارس/آذار حتى 3 مايو/أيار 2019 مقارنة بالفترة نفسها قبل عام واحد.
ونشرت وزارة الطاقة الإيرانية تقريراً على موقعها الرسمي يشير إلى أن واردات الكهرباء الإيرانية انخفضت أيضا بمعدل 60% خلال الفترة المذكورة، حيث هوت إلى 172 مليون كيلووات/ساعة.
وشهدت العديد من المحافظات الإيرانية انقطاعاً مستمراً في التيار الكهربائي على مدار 2018، بسبب عجز طهران عن تحقيق هدفها بإضافة 6 جيجاوات جديدة من الكهرباء، حيث وصلت بالإنتاجية لأقل من ثلث الهدف المعلن.
وتعاني الكثير من محطات توليد الكهرباء الإيرانية (قدرتها الفعلية 60 جيجاوات) حالة تدنٍ كبير للغاية على مستوى الإنتاجية المنخفضة بالفعل بسبب غياب آليات التحديث التكنولوجي على غرار نصف محطات الطاقة الجديدة في العالم.
وكشف تقرير صادر عن مركز بحوث البرلمان الإيراني عن أن قطاع إنتاج الكهرباء في إيران يواجه خسائر في الآونة الأخيرة، بينما توقع انخفاض معدل تصدير الكهرباء بنحو 8% في موازنة السنة المالية الجديدة، فضلا عن زيادة معدل الاستهلاك الداخلي.
ويعزو مراقبون أبرز أسباب تهالك محطات توليد الطاقة الكهربائية في إيران إلى استخدام الأخيرة «المازوت» بمعدل 390 مليون لتر في تشغيل هذه المحطات رغم وجود ملوثات عالية الكثافة به.
ووضعت حكومة طهران خططاً قبل عامين لإحلال الغاز الطبيعي بديلا عن الوقود السائل (المازوت والديزل) في تشغيل محطات الكهرباء، لكن أيا من هذه البرامج لم ينفذ نهائياً.
تجارب إيران في تصدير الكهرباء
رغم أن العراق بلدٌ نفطي بامتياز، ويفترض أنه قادر على تصدير الطاقة بأنواعها، إلا أن هيمنة إيران عليه، وما رافق هذه الهيمنة من إفسادٍ واسع النطاق شمل كل القطاعات وأولها الكهرباء، جعل إيران تستولي على النفط وتقوم ببيع الكهرباء إليه، في معادلة ظالمة، تشبه استيلاء النظام السوري على خيرات لبنان خلال فترة احتلاله، ولطن على نطاق أعمّم وأوسع.
لكن تراجع خدمات الطاقة في إيران دفع القيادة الإيرانية إلى اتخاذ قرار بقطع الكهرباء عن العراق في شهر تموز 2018، لأن الأولوية هي للمدن والبلدات الإيرانية، كما جاء على لسان وزير الطاقة الإيراني، رضا أردكانيان الذي قالبأن وقف توريد الكهرباء للعراق جاء لمنح الأولوية لسد احتياجات إيران من الطاقة. وأضاف:»كل عقد أو اتفاقية لتبادل الطاقة، له إطار زمني وشروط، منها أن الدولة المصدرة عندما تكون بحاجة شديدة للكهرباء، عليها أولا تغطية احتياجاتها الداخلية».
وتسبب قطع الكهرباء عن مدن عراقية في اندلاع مواجهات عنيفة بين قوات الامن ومتظاهرين ولم تفلح الاتصالات والوساطات مع السلطات في طهران لإعادة التيار الى العراقيين الذين يفترض أنهم حلفاء النظام الإيراني، وأحرق المتظاهرون صور مرشد الثورة علي خامنئي وقادة إيران الأمنيين، بعد أن ساهم توقف توريد الكهرباء من إيران، في زيادة ساعات قطع التيار الكهربائي عن محافظات في جنوب العراق، ما يعد أحد أسباب انطلاق الاحتجاجات، التي أسّست للثورة الشعبية الجارفة في العراق.
حاولت طهران احتواء الموقف فمدّدت في فبراير 2019 اتفاقية لتصدير الكهرباء مع العراق توصل بموجبها 1200 ميجاوات من الكهرباء للمدن العراقية.
لكن رغم هذه المزاعم، إلا أن شهر يناير 2020 شهد فشل إيران تفشل في تصدير الغاز الطبيعي المخصّص لإنتاج الكهرباء إلى العراق، الأمر الذي فاقم معاناة العراق في إنتاج الكهرباء، بسبب انخفاض حاد في صادرات طهران إلى بغداد من الغاز الطبيعي، وهذا ما أكده أحمد موسى الناطق باسم وزارة الكهرباء العراقية، الذي كشف أن إنتاج الكهرباء في العراق، باستثناء المنطقة الكردية شمالي البلاد، انخفض بنسبة 27 في المئة.
وهذه الأزمة تفضح مزاعم الادعاءات الإيرانية بإنشاء خمس منصات جديدة لإنتاج الغاز في حقول جنوب فارس في الخليج العربي، حيث قالت حينها إن هذه المنصات قادرة على زيادة إمدادات الغاز بنسبة 10 في المئة.
وأكد موسى في تصريحات لوكالة «بلومبرغ» أن إيران اعتادت تصدير 25 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميا إلى العراق، لكن الكمية انخفضت إلى 4 ملايين متر مكعب فقط خلال الأشهر الأخيرة وأن هذا الانخفاض تسبب في تضاؤل إنتاج الكهرباء من أكثر من 19 ألفا إلى أقل من 14 ألف ميغاوات.
وذكرت «بلومبرغ» أن خط الأنابيب الذي تم إنشاؤه بين إيران والعراق خلال الأعوام السبعة الماضية فشل في رفع كمية الغاز المصدرة إلى بغداد إلى 75 مليون متر مكعب في اليوم، كما كان معلنا، ووصلت عمليات التسليم في ذروتها 27 مليون متر مكعب.
ورغم كل هذه الأرقام، التي تؤكد وجود أزمة في إنتاج الغاز في طهران، يتفاخر المسؤولون الإيرانيون بأن إنتاج الغاز الطبيعي قد زاد بشكل كبير في البلاد، فأكد مهدي جمشيدي، مدير إيفاد شركة النفط الوطنية الإيرانية، أن إجمالي استهلاك الغاز الطبيعي في إيران قد بلغ 693 مليون متر مكعب، لكن الرقم المذكور كان نفس الرقم الذي تم نشره في العام السابق، مما يشير إلى عدم وجود زيادة حقيقية.
كما أن الانخفاض لا يقتصر على تصدير الغاز الطبيعي إلى العراق، بل يشمل الكمية التي يتم توصيلها إلى المجمعات الصناعية المحلية ومحطات الطاقة.
باب جديد من أبواب فساد الممانعة
أمام هذا الواقع، يصبح الركون إلى الشعارات الإيرانية في مجال الطقاة تحديداً مخاطرة تحمل الكثير من العواقب، لأن واقع لبنان لم يعد يحتمل التجارب الفاشلة من جهة، ولأن العقوبات تلاحق الشركات الإيرانية عبر العالم، فكيف يمكن الدخول في هذه المغامرة التي يبدو أنها مقامرة وباب جديد من أبواب فساد الممانعة..!!