Site icon IMLebanon

الفيل في بيروت

 

كان يقال في الماضي: لا تطلق على عدوك رصاصة بل أطلق عليه إشاعة. ولم أفهم معنى المثل تماماً إلى أن شرحه لي أحد مشاهير قضاة التحقيق، فقال إن الرصاصة إذا انزاحت انتهى الأمر بالنجاة، أما الإشاعة فهي مجموعة من حب الخردق (البندق) لا بد من أن تصيب إحداها مهما كان المصوّب فاشلاً.

وشرح لي أن الذين يبثون الإشاعات لا يعتمدون عادة على ذكاء من يطلقها؛ بل على سذاجة من يتلقاها، فإن هذا سوف يرددها من دون أن يخطر له التساؤل لحظة واحدة حول مدى احتمالها، مهما كانت بعيدة التصديق.

وروى لي أنه ومجموعة من رفاقه القضاة، أرادوا إجراء تجربة ضاحكة حول هذه الحالات، فاتفقوا على الذهاب إلى أحد المطاعم الشهيرة في وسط بيروت. يدخل أربعة منهم المطعم ويتأخر الخامس في الوصول. وعندما يصل يسألونه في صوت يسمعه الزبائن والنوادل عن سبب التأخر، فيجيب أن فيلاً شارداً يعرقل السير على بعد شارعين.

قالها القاضي متظاهراً بالضيق، ثم جلس. وتطلع إليه أحد النوادل غير مصدق، فمن أين يأتي فيل إلى وسط بيروت؟ لكنه حمل الشك إلى زميله متسائلاً لعله يفيده. وهز زميله كتفيه، لكنه استدرك بأن الراوي قاض وليس ولداً. واتجه إلى طاولة حولها أربعة أطباء من الزبائن، وروى لهم ما سمع، قائلاً إنه لم يكن ليصدق، لكن الراوي شخصية محترمة.

وكان أحد الأطباء صديقاً للقاضي الجالس على مسافة، فسأله بصوت عال: «شو قصة الفيل؟». أجاب: «يا رجل زحمة سير لم أرَ مثلها في حياتي». «ولكن هل رأيت الفيل؟». «لا. كيف لي أن أرى الفيل في هذا الزحام».

دارت الهمسات في المطعم، بين مصدق ومشكك وحائر. وجلس القضاة الساخرون يراقبون تطورات المشهد. وبعد قليل، دخلت مجموعة أخرى من الزبائن فاستقبلهم النادل مرحباً وأجلسهم ثم سأل: «هل رأيتم شيئاً غير عادي في الطريق؟»، فأجابت إحدى السيدات: «يا لطيف، الناس تحاول الإفلات من الزحام كأن فيلاً يطاردها». وابتسم النادل منتصراً. لم يعد هناك شك في المسألة.

وعاد إلى رفاقه يؤكد لهم، ثم اتجه نحو القاضي حامل الخبر وقال له بكل ثقة: «سيدنا طلع معك الحق. الجماعة على الطاولة جنب النافذة قالوا إنهم شاهدوا الفيل ورجال الإطفائية يحاولون مطاردته، ولذلك، قطعوا السير من جهة الدورة». وتظاهر القاضي الخامس بالاهتمام وسأل: «ما بها الدورة؟»، فقال النادل: «مش عم يقدروا يلقطوا الفيل سيدنا. سكّروا الطرقات». وفيما هم خارجون سأل رئيس النوادل عن آخر أخبار الفيل، فقال: «إلى الآن لم يكمشوه. غيّروا طريقكم سيدنا، أفضل».