ليست هي المرة الاولى التي ينازل فيها الجيش اللبناني الارهاب في عملية «فجر الجرود’» لكنها المرة الاولى منذ فورة الارهاب التكفيري التي تجمع فيها اللبنانيون على مختلف طوائفهم ومذاهبهم ومشاربهم السياسية على ان المؤسسة العسكرية هي خشبة خلاص الوطن فالتف الجميع حولها لاستئصال ما تبقى من حثالة «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع والفاكهة بعدما حرّر الجيش اللبناني 80 كلم من اصل 120 من ايادي «داعش» وحشر فلولها في منطقة ضهر الكف استعدادا للمنازلة الاخيرة التي ستكون نتائجها اما استسلام التكفيريين او القضاء المبرم عليهم.
اوساط متابعة تؤكد ان هذا الجيش الصغير من حيث العدد والعظيم من حيث العقيدة القتالية قرّر ان ينازل الارهاب فترة بعد اخرى وقبل وقوع الزلازل التي تتراقص المنطقة فوق فوالقها الزلزالية، ففي مطلع العام 2000 تحصنت مجموعات لتنظيم «القاعدة» في جرود الضنية معلنة «امارتها الاسلامية» بمبايعة بسام الكنج الملقب «ابو عائشة» اميراً عليها والكنج من المقاتلين الذين عرفوا «بالعرب الافغان» واشهر بقتاله تحت امرة اسامة بن لادن في افغانستان ابان بروز تنظيم «الجهاد العالمي» الذي عرف بـ «القاعدة»، وكان احد ابرز القادة الذين اقتحموا العاصمة كابول مع مجموعته فلقبه بن لادن «باسد كابول»، ومن ثم عاد الكنج الى لبنان مع احلامه الجهادية التكفيرية وكانت بداية اعماله خطف الضابط الشهيد النداف في الضنية وكانت النتيجة منازلة بين مجموعة الكنج والجيش اللبناني الذي اقتلع هذا الدمل واطاح باول «امارة اسلامية» سعى الكنج الى تحقيقها، ولعل اللافت يومذاك ان السفير الاميركي فنسنت باكل طالب بجثة الكنج كونه يحمل الجنسية الاميركية اضافة الى زواجه من اميركية.
وتضيف الاوساط ان «الامارة الاسلامية» الثانية سعى الى تأسيسها قائد «فتح الاسلام» شاكر العبسي الذي خطف مخيم نهر البارد الفلسطيني بعدما سيطر على مخازن اسلحة «فتح الانتفاضة» وشرائه لمعظم فاعليات المخيم، وكان حلمه اقامة «اماراة اسلامية» في الشمال انطلاقاً من شكا وصولا الى الحدود السورية اللبنانية عام 2007، الا ان تضحيات الجيش اللبناني حالت دون تحقيق حلم العبسي، وكانت المعركة التي اقتلعت العبسي وامارته معه والتي خاضها الجيش باللحم الحي وقدم عشرات من الشهداء والجرحى.
وتشير الاوساط الى ان المحاولة الثالثة لاقامة «امارة اسلامية» كانت مع الارهابي احمد الاسير الموقوف لدى العدالة اللبنانية ومعركة عبرا كانت كفيلة باقتلاعه مع زمرته وتقديمه للعدالة بعد القبض عليه في مطار بيروت، وكان يحاول السفر بجواز مزوّر للالتحاق بحركة «بوكوحرام» في نيجيريا.
واذا كان الجيش قد نجح في استئصال الارهاب قبل مخطط «الفوضى الخلاقة»، فان المخطط الاميركي للمنطقة وخلق «داعش» في سجن ابو غريب العراقي ونجاحه في احتلال الموصل خلال ساعات واعلان «دولة الخلافة» التي ضمت نصف مساحة سوريا والعراق تقريباً، وضع الجيش اللبناني امام معادلة دولية معقدة بحسب الاوساط، يتشابك فيها المحلي بالاقليمي في لعبة تقاسم النفوذ ما يجعل من معركة «فجر الجرود» ام المعارك على صعيد ما شهدته الساحة المحلية منذ اندلاع الاقتتال في سوريا كون «داعش» يمتلك كافة انواع الاسلحة اضافة الى مجموعات انغماسية غالباً ما اعتمد عليها في مواجهة اخصامه، و ما نجح به الفصيل التكفيري في سوريا والعراق فشل فيه على رقعة الجرود، فقد نجح الجيش اللبناني في الاول من امس في تفجير سيارةمفخخة كان يقودها الارهابي «ابودجانة» لاستهداف موقع عسكري كما فجّر الجيش دراجة نارية مفخخة كانت بصدد استهداف موقع عسكري آخر.
وما يجعل معركة «فجر الجرود» ام المعارك وفق بعض القادة العسكريين ان الجيش خاضها من اسفل الى اعلى وما يعنيه التسلق من صعوبة في الحركة ضمن مساحة زرعت بالالغام ما يدخل افواج النخبة في الجيش اللبناني خانة الابطال كون هذه المعركة ستدرس لاحقا في الكليات العسكرية في الدول العظمى، بعدما اثبتت هذه الافواج ان «داعش» وحش من ورق.