لم تمرّ مناقشة مجلس النوّاب لـ “خطة الطوارىء الوطنية” التي وضعتها حكومة تصريف الأعمال في 23 صفحة بإدارة من الأمم المتحدة لمواجهة إحتمال العدوان الإسرائيلي على لبنان، بسلاسة ومرونة. فقد تخلّل الجلسة التي دامت أكثر من 4 ساعات، وترأسّها نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب، وشارك فيها 94 نائباً في بدايتها، و13 وزيراً عرض كلاّ منهم خطّة عمل وزارته، وبعض الخبراء، وتضمنت الكثير من النقاشات السياسية في ظلّ الخلافات نفسها القائمة بين الكتل النيابية على “قرار الحرب والسلم”، والاستراتيجية الدفاعية ونشر الجيش اللبناني على الحدود، ومصادر تمويل الخطة.
تقول مصادر سياسية متابعة بأنّ النقاشات في الجلسة بيّنت أنّ بعض النوّاب لا يريد أن يفصل بين ما يُسمّى “خطة طوارىء وطنية” لمواجهة حرب قد تكون كارثية، وبين “قرار الحرب والسلم”، الذي هو أمر سياسي بحت. فالخطة شملت كيفية تصرّف الوزارات المعنية وإدارتها للأزمة التي قد تستجدّ في حال حصلت “الحرب الإسرائيلية” على لبنان، والتنسيق فيما بينها وبين اللجنة الخاصة لإدارة ااكوارث برئاسة وزير البيئة ناصر ياسين. كما أنّها تستند الى افتراضات مثل تعرّض لبنان، لا سمح الله، الى اعتداءات إسرائيلية قد تؤدّي الى نزوح مليوني لبناني، ما يستوجب التحرّك لناحية الإغاثة والإيواء لنحو 45 يوماً…
ويبدو أنّ اختبار تأمين المواد الضرورية قد بدأ فعلاً في بعض مراكز الإيواء، بحسب المعلومات، لا سيما في مناطق عدّة مثل النبطية وحاصبيا وصور، حيث تتمّ مساعدة 800 نازح لجأوا الى مراكزها من قبل البلديات والمحافظين، رغم أنّ صور استضافت أكثر من 8 آلاف نازح جرى استقبالهم من قبل بعض العائلات والأقارب.
وطرح بعض النوّاب خلال الجلسة أسئلة عديدة، مثل النائب ملحم خلف الذي طلب بتحويلها الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ما دام النصاب القانوني مؤمّناً، فيما اعترض بعض نوّاب المعارضة، رغم حضورهم، على مناقشة بنود الخطّة، مثل النائب سامي الجميّل الذي تحدّث عن ضرورة عدم جرّ لبنان الى الحرب بدلاً من وضع خطّة طوارىء. وسألت النائبة عناية عزّ الدين عما إذا كان لدينا ما يُواجه القذائق الفوسفورية التي يُطلقها العدو؟ كما تساءل البعض عن موارد تمويل هذه الخطّة، التي على ما يبدو، أنّ تمويلها متوافر الآن بالحدّ الأدنى من وزارة المال من خلال رصد إعتمادات لها، على ما أعلن ياسين، فيما المستوى الثاني منه يأتي عن طريق المنظمات الدولية التي تقوم حالياً بإعادة توزيع مواردها على بعض القطاعات في لبنان. وقد أعلنت هذه المنظمات أخيراً عن أنّه يمكنها توفير 400 حصة غذائية يومياً، وعن استعدادها لتأمين 55 ألف حصّة في حال استدعت الحاجة ذلك.
غير أنّ الأمور لا تتوقّف فقط عند تأمين الغذاء والإيواء فقط، وفق المصادر، إنّما على التمكّن من إصلاح الأضرار في حال طال القصف البنى التحتية أو المرافق العامّة والجسور، ما من شأنه قطع أوصال البلاد. ولهذا تطرّق النقاش الى القرار 1701، وأهمية تطبيقه والالتزام ببنوده، لا سيما مسألة وقف الأعمال العدائية أو الحربية بين حزب الله والعدو الاسرائيلي التي ينصّ عليها. علماً بأنّ “إسرائيل” تخرق هذا القرار الدولي برّاً وبحراً وجوّاً منذ صدوره عن مجلس الأمن في العام 2006. وطالب بعض النوّاب بنشر الجيش على الحدود، فيما هو منتشر هناك، وانتقد أن يكون القرار بيد حزب الله وحده دون سواه، ما قد يؤدّي الى جرّ لبنان الى حرب لا يريدها، والوقت ليس مناسباً للدخول فيها.
وجدّد بعض النوّاب التأكيد على أنّ موقف لبنان الرسمي هو أنّه لا يريد الحرب، ولهذا يجول رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي على بعض الدول العربية، لشرح موقف بلاده والحصول على ضمانات لعدم جرّ لبنان الى هذه الحرب.
وأكّد بو صعب بعد انتهاء الجلسة، بأنّ الجميع مع تحاشي الحرب والقيام بما في وسعه لإبعادها عن لبنان، ولكن إذا فُرضت علينا “سنكون موحّدين، وإن كان النقاش داخل الجلسة قد شدّد على أّلا تقع الحرب في لبنان”. وشدّد على أن “وجود خطة طوارىء أمر لا سوابق له، ومن هنا أهميتها كونها تحصل للمرة الأولى كخطة إستباقية”.
وأوضحت المصادر عينها أنّ الخطة وُضعت ليحصل التنسيق بين الوزارات المعنية عند التنفيذ، ولكي تقوم كلّ وزارة بمهامها وفق الخطّة الموضوعة. غير أنّ بعض النوّاب قد سألوا الحكومة بعض الأسئلة وخرجوا من قاعة المجلس من دون انتظار إجاباتها. ولهذا، فإنّه سوف يُصار الى الإنتقال الى اللجان المختصّة المعنية بالخطة، من أجل استكمال مناقشة بنودها، على أن يُصار مُجدّداً الى عقد جلسة عامة للجان في حال دعت الحاجة الى مناقشتها، بهدف مدّ يد المساعدة والتعاون بين الوزارات والكتل النيابية والمنظمات الدولية وغير الحكومية، وتحسين كلّ ما يُمكن تعديله.
ولوحظ غياب وزارة الدفاع عن الجلسة، رغم أنّ مشاركتها ضرورية في خطة إدارة الكوارث التي تشمل غالبية الوزارات لا سيما: المال، العدل، الدفاع الوطني، الداخلية والبلديات، الصحة العامة، العمل، الشؤون الاجتماعية، التربية والتعليم، الثقافة، الاقتصاد، الصناعة، الإعلام، الإتصالات، الأشغال العامة والنقل، الطاقة والمياه، شؤون المهجرين والبيئة، لا سيما لتأمين سلامة المواطنين.
ورأت المصادر بأنّ هذه الخطة تفترض تضامناً وطنياً، وإن كان اللبنانيون بغالبيتهم، وكذلك النوّاب والوزراء، لا يؤيّدون وقوع الحرب في لبنان. ولهذا لا بدّ من التناغم والتعاون بين السلطات من أجل إظهار موقف لبنان الموحّد، بدلاً من الإنقسامات التي غالباً لا تؤدّي إلّا الى نتائج سلبية على المواطنين. فهذه الخطة الإستباقية تأتي نتيجة ما أصاب لبنان أخيراً لا سيما في حرب تمّوز- آب 2006، وفي انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، خصوصاً وأنّ الدولة لم يكن حاضرة وجاهزة لمواجهة عدوان إسرائيلي ضخم على البنى التحتية فيه، وما رافق ذلك من تداعيات سيئة على المنكوبين والمصابين.