Site icon IMLebanon

إمارة «داعش» الى أفول… لكنّ الخطر قائم

حقَّق الجيش اللبناني انتصارات مدوية في المراحل الحربية الثلاث التي حصلت حتى الآن ليُثبت مرة جديدة قدراته القتالية العالية على رغم محدوديّة السلاح الذي يملكه.

بخلاف كثير من جيوش المنطقة، فإنّ وحدات الجيش اللبناني قاتلت بشجاعة جنباً الى جنب وفق الخليط الذي يتكوّن منه النسيج الاجتماعي اللبناني، وهي نقطة مهمّة ينظر اليها المراقبون العسكريون الغربيّون بإعجاب، خصوصاً بعدما حاول «داعش» ومعه «النصرة» خلال المراحل السابقة اللعب على وتر المذهبية والطائفية، والسعي لضرب وحدة الجيش وتشجيع حالات الفرار.

لم تكن هذه هي النقطة الوحيدة التي أثارت إعجاب المراقبين العسكريين، ذلك أنّ الحِرَفية القتالية والعسكرية التي أظهرها الجيش في حربه على «داعش» كانت محطّ تقدير لدرجة أنّ أحد المراقبين العسكريّين الغربيّين الكبار قال «إنّ الحرفية التي أظهرتها الوحدات العسكرية والتنسيق القائم بين مختلف القطاعات العسكرية مسألة نادرة في الشرق الاوسط، لكي لا نقول غير موجودة».

لكنّ هذا السلوك الرفيع للجيش اللبناني قابله سلوك متهوّر وغير مسؤول لدى بعض الأفرقاء السياسيين اللبنانيين كما العادة. قد يكون جزءٌ من هؤلاء قد بالغ في المزايدة بدافع الفرح واستعجال إزاحة هذا الكابوس، لكنّ الأكيد أنّ الجزء الثاني لا تهمّه سوى المكاسب السياسية التي تندرج في خانته الذاتية.

وبخلاف ما روّج له، فإنّ المرحلة الاخيرة من العملية العسكرية تبدو الأصعب والاكثر تعقيداً. ولا تزال تحتاج الى بعض الوقت، فإمارة «داعش» في الجرود لا يزال يتبقى منها نحو 62 كلم2، 27 كلم2 من الاراضي اللبنانية و35 كلم2 في الداخل السوري.

صحيح أنّ مجموعة لـ»داعش» انهارت إثر الضربات القويّة والقصف المدفعي الدقيق للجيش اللبناني، لكنّ مجموعة أخرى لا تزال تريد القتال وتحاول التحصّن في البقعة المتبقّية على أمل الصمود حتى دنوّ الصقيع، وهو العامل الذي تراهن عليه.

ووفق المعلومات، فإنّ هذه المجموعة تضمّ نحو 250 عنصراً وباتت تتمركز في وادي الكرم ومرطبيا من الجانب اللبناني، بعدما فقد التنظيم كثيراً من عناصره جراء كثافة النيران إضافة الى دقة الاصابات، الذي حصل وفق تنسيق كامل بين سلاح المدفعية وطائرات الرصد التي تولّت تحديد المواقع والمغاور.

ولم تكن تلك المفاجأة الوحيدة لدى الجيش اللبناني، ذلك أنّ المفاجأة الاهم كانت بالالتفاف على شبكة الالغام التي كان إرهابيّو «داعش» قد زرعوها عند المسالك البرّية لإعاقة ووقف أيّ تقدّم للآليات، وذلك عبر قيام وحدات بشقّ طرق جديدة جانبيّة تولّاها سلاحُ الهندسة وحضّر لها جيداً قبل بدء المعركة وشكلت عامل مباغتة للداعشيين.

وفي الجانب السوري، سلّم بعض هؤلاء انفسهم الى وحدات «حزب الله»، أولاً لأنهم من الجنسية السورية وعوائلهم موجودة في منطقة جراجير السورية، وثانياً لأنه كان لهؤلاء تواصل سرّي سابق مع «حزب الله». لكنّ الأهم أنّ المجموعة الداعشية المتبقّية يتراوح عددها ما بين 250 الى 300 عنصر، وتبدو المرحلة الرابعة هي الأصعب بسبب وجود تسع سيارات مفخّخة مع هذه المجموعة، إضافة الى 35 انغماسياً، وهو ما تؤكّده مصادر معنيّة، ما يعني أنّ القتال الصعب سيكون للمرحلة الاخيرة.

في انتظار ذلك، تواصلت «داعش» مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم وطلبت وقفاً لاطلاق النار للدخول فوراً في المفاوضات. لكنّ الجانب اللبناني الذي اشتمّ من هذا الطلب محاولة لكسب الوقت ليس إلّا، كان جوابه أنّ المفاوضات إذا حصلت فتَحت النار. أما البندان الوحيدان للتفاوض فهما أوّلاً معرفة مصير العسكريين اللبنانيين، وثانياً استسلام مسلّحي «داعش» للجيش وتسليم سلاحهم لأن لا خروج لهم الى منطقة أخرى، فإما الاستسلام أو الموت. ولأنّ طريق التفاوض يبدو صعباً، تتحدث التقديرات عن قتالٍ ضار سيسود الأيام المقبلة.

ولا شك في أنّ القيادة العسكرية الأميركية تراقب من الجوّ مسارَ العمليات، وعبر قنواتها الخاصة المستجدّات التفاوضية، ذلك أنّ العديد من الداعشيين الموجودين في الجرود هم من جنسيات اجنبية ما يستوجب القضاء عليهم وعدم افساح المجال امامهم للعودة الى بلادهم.

وتبدو القيادة العسكرية الأميركية مسرورة للسلوك العسكري اللبناني على رغم أنّ الرقابة الأميركية الجوّية أظهرت التنسيقَ في بعض المجالات بين الجيش اللبناني و«حزب الله».

وتدرك القيادة العسكرية الأميركية وجوبَ حصول ذلك لتجنّب التصادم الميداني بينهما، خصوصاً أنه في بعض الاماكن اصبحت وحدات الجيش اللبناني على تماسٍ مباشر مع مجموعات «حزب الله»، وبالتالي فإنّ عدمَ التنسيق سيعني ربما تصادماً و«تقاصفاً» حتى.

وفي تعمّدها عدم الاشارة الى ذلك، فإنّ القيادة العسكرية الأميركية تبدو موافقة شرط أن يبقى التنسيق وفق هذا الحدّ لا أكثر. ذلك أنّ ما يهمّ واشنطن لاحقاً هو أن يتوّلى الجيش اللبناني دون سواه مسؤولية الحدود اللبنانية ـ السورية والإمساك بها. ومن هنا كانت الخطوة الذكية لـ«حزب الله» بعد هزيمة «النصرة» بأن أعلن أمينه العام السيد حسن نصرالله تسليمه كل المواقع إلى الجيش اللبناني.

لكنّ هذه الصورة المشرقة حول قرب الانتهاء من إمارة «داعش» في جرود لبنان، لا تعني الانتهاء الكامل من خطر هذا الوباء، والمعارك الدائرة في مخيم عين الحلوة ابرز دليل في هذا الاطار. فالمجموعات المتطرّفة الموجودة داخل المخيم والتي تضمّ كادراتٍ أساسية لـ»داعش» ومركز تواصل مع القيادة الاساس في دير الزور والرقة فتحت معركتها لتخفيف الضغط عن معارك الجرود.

وفي التنسيق المسبَق بين الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية، تمّ التحوّط لما جرى. وفي حين تتولّى حركة «فتح» محاصرة هؤلاء تمهيداً لإنهاء هذه الظاهرة، فإنّ الجيش على أهبة الاستعداد بحيث سيتدخّل مباشرة في حال فشلت «فتح» في المهمة الموكلة اليها.

وبدا أنّ «داعش» استنفر كل خلاياه في لبنان وفي ارجاء العالم بعدما لمس أنّ معركة الانتهاء من إمارته باتت في مراحلها النهائية. وصعّدت قيادة «داعش» عملياتها بهدف رفع معنويات عناصرها وللإشارة الى أنها لا تزال قادرة على العمل بحرّية وفعالية.

ومن خلال الانترنت، أصدر التنظيم خلال الاسابيع الماضية 12 مقطع فيديو جديداً، إضافة الى مقال يومي بلغات عدة يدعو الى شنّ الهجمات حول العالم، داعياً الى استخدام الشاحنات وتحويلها أسلحةً مستبقاً بذلك اعتداءات برشلونة. وقد نشر عبر الانترنت تفاصيل طريقة حصول الدهس، وهو ما طُبِّق لاحقاً في كاتالونيا الاسبانية.

وجاء اختيار إسبانيا بسبب ضعف تطبيق الوسائل الاحترازية، فيما في فرنسا مثلاً وُضعت عوائق على عدد من الارصفة لمنع عمليات مشابهة. ووفق مصادر اوروبية فإنّ «داعش» يموّل شبكاته في الخارج من خلال مواقع التسوّق الوهمية على الانترنت. لكنّ عمليات «داعش» الأخيرة اظهرت تراجع قدراته فارتكزت العمليات على عناصر متحمّسة لكنها غير مدرَّبة كما حصل سابقاً.

وحسب هذه المصادر، فإنّ «داعش» يركّز على الذئاب المنفردة التي في الغالب لا تتلقّى إلّا القليل من الدعم العملي، لكن يمكنها تنفيذ عمليات اكثر دموية، ولو مع تراجع قدرات «داعش» اذا ما تراخت الرقابة الأمنية، وهذا الخطر يشمل ايضاً الساحة اللبنانية مع أنّ الاجهزة الامنية اللبنانية أثبتت براعةً كبيرة في مواجهة هذا التنظيم.