قفزت مجموعة افرقاء على المأساة الفرنسية التي تمثلت في عمليات ارهابية عدة استهدفت باريس، من خلال السعي الى توظيفها لمصلحة احداث تغيير في الموقف الذي يعتمده الرئيس فرنسوا هولاند من الازمة السورية، وتحديداً من الرئيس السوري بشار الاسد الذي دخل بنفسه على الخط مسجلا موقفين، احدهما غداة العمليات التي وقعت في 13 من الجاري، معتبرا ان “هجمات باريس هي نتاج سياسة فرنسا الخاطئة في منطقتنا”، وهو امر لافت لرئيس دولة لم يعترف مرة بأن الثورة السورية هي نتاج سياسته الخاطئة، محملا دوما المسؤولية للآخرين، وكان الاعتراف بالخطأ ليكون امرا مساعدا في تخطي الحرب السورية في وقت من الاوقات. والموقف الاخر هو اعلانه في حديث الى مجلة فرنسية انه مستعد للتبادل الاستخباري مع فرنسا “شرط ان توافق على تغيير سياستها في شأن سوريا كما قال، فيما المقصود تجاهه هو شخصيا انطلاقا من ان فرنسا تبنت ولا تزال موقفا غير مساوم من ضرورة رحيل الاسد. وهو بذلك يحاول ان يوظف ورقة لطالما ساعدته، بل انقذت علاقاته مع الدول الغربية، وهي ورقة التبادل الاستخباراتي، اذ سمحت هذه الورقة مرارا وتكرارا بغض النظر عن نظامه انطلاقا من تزويده الدول الغربية معلومات استخباراتية ثمينة حتى في ذروة التناقض معها. ويمتلك البعض معلومات عن استمرار علاقات مماثلة حتى مع الولايات المتحدة على اثر صدور القرار 1559، ومطالبة الادارة الاميركية برئاسة جورج دبليو بوش القوات السورية آنذاك بالتزام هذا القرار. كما يسعى الى توظيف وجود رأي سياسي فرنسي ضاغط منذ بعض الوقت على الرئيس الفرنسي، وسابق للتطورات الاخيرة، من اجل تعديل سياسته ازاء رئيس النظام السوري، باعتباره الاقل سوءا، فيما تضغط على فرنسا تحديدا في الوقت الراهن مسألتان اساسيتان خطيرتان، إحداهما مسألة الارهاب المتفجر في شوارع باريس والاخرى موضوع اللاجئين السوريين. ولم تقتصر محاولة توظيف التطورات الباريسية المأسوية على رأس النظام السوري فحسب، بل تقدمها مسعى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذا الاتجاه، فدعا فرنسا في اثناء قمة العشرين في انطاليا التركية قبل ايام الى اعادة النظر في موقفها من ضرورة الرحيل الفوري للاسد، مشيرا الى ان الموقف الفرنسي من ضرورة بت مصير الاسد هو شرط مسبق لاي تغييرات سياسية، ومتسائلا هل حمى ذلك باريس من اعتداء ارهابي، وأجاب بالنفي.
وفيما يفترض المنطق ان دعم الاسد من فرنسا او تغيير الموقف منه يمكن ان يزيد المخاطر في حال التسليم جدلا بان تنظيم الدولة الاسلامية يحارب رأس النظام السوري ويريد رحيله وليس العكس، خصوصا ان دعم روسيا للاسد لم يحمها هي ايضا من العمليات الارهابية التي أسقطت الطائرة الروسية فوق سيناء، مما يعني ان لا دعم الاسد ولا المطالبة برحيله تقي فرنسا العمليات الارهابية، فإن الرئيس الفرنسي قال أمام البرلمان الذي انعقد بمجلسيه في فرساي قرب باريس إن الاسد لا يمكن ان يكون مخرج النزاع، وعدونا هو “داعش” ، مما يفيد انه مستمر بالتمسك بموقفه. لكن ثمة علامات استفهام تثيرها مصادر مراقبة من زاوية انه كما كانت تفجيرات 11 ايلول 2001 في الولايات المتحدة عامل تغيير جذري في قواعد اللعبة السياسية في المنطقة، فإن الذهاب الى الرهان على تغيير قواعد العملية السياسية القائمة يطل بقوة بعد العمليات الارهابية في باريس . فالرئيس الفرنسي سيسعى خلال الاسابيع المقبلة الى توحيد جهود التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والعمليات التي تقودها روسيا ضد “داعش” في سوريا، على رغم ما يكتنفه ذلك من صعوبة وربما من اثمان تعود الى ان الغاية الاساسية لروسيا هي دعم الاسد وتعزيز فرص استمراره، فيما يعلي سياسيون فرنسيون بدأوا يعدون للانتخابات المقبلة الصوت من خلال ابراز ضرورة التعاون مع روسيا من جهة. ويذهب آخرون الى ضرورة التعاون مع الاسد. وقد طغت على هؤلاء اعتبارات سياسية مختلفة تحت عناوين مواجهة الارهاب ودفق اللاجئين والرغبة في التخلص من هاتين المشكلتين على نحو يذكر كيف سحب الغرب يده من لبنان في مراحل عدة وتركه لمصيره يتحكم فيه النظام السوري، ليس لسبب الا نتيجة تعرض الدول الغربية لعمليات ارهابية ورغبة في ترك المستنقع اللبناني ومشكلاته. وقد غاب عن كثير من السياسيين الفرنسيين الدافعين في هذا الاتجاه تجربة الاضطرار الى العودة الى التعامل مع النظام السوري في لبنان على رغم معرفتهم بمسؤوليته عن مشكلات كثيرة واجهها لبنان، وكانت قاطعته فرنسا بسببها، وذلك يعود لاسباب مصالح خاصة بفرنسا قد يتصل الكثير منها بالتعاون الاستخباري، شأنها في ذلك شأن دول غربية عدة وربما في ظل اعتقاد او اقتناع بان ذلك ربما يخدم لبنان تحت طائل عدم قدرة افرقائه السياسيين على الاتفاق، او ان امن البلد سيخرب وفقا لما كان يروجه النظام ومؤيدوه انذاك . ولذلك ليس غريبا ان يسعى الاسد الى توظيف ما يعتقد انها اوراق قد تربح او قد تفتح الباب المقفل امامه في فرنسا او الدول الاوروبية، خصوصا ان ورقته الاثمن هي الرهان على الوقت وفق ما اعتمد دوما، وهو ما سيشتريه له التفاوض مع المعارضة السورية وامهاله 18 شهراً على الاقل من المرجح ان تحمل متغيرات كبيرة بالنسبة اليه.