يقع لبنان بين فكّي كمّاشة واقعيْن مزريَيْن واقع الدولة المُهلهلة الفاشلة وأمر واقع الدويلة المتوحشة، وبالرّغم من الصّخب الذي يصمّ آذان اللبنانيّيْن مع انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية وجنون الدولار الأميركي والعناوين المفزعة التي تطارد المواطن الأعزل ما بين الجوع الذي يهدد أكثر من مليون لبناني، إلى شراء الشموع لأننا دخلنا فعليّاً زمن العتمة تحت وطأة انقطاع كهرباء الدولة حيث لا تزيد التغطية في مناطق عديدة أكثر من أربع ساعات وأقل وتوقف المولدات عن تزويد المواطن بأكثر من ست إلى ثماني ساعات لا تتجاوز نهاراً الساعتان برغم رفعهم المبالغ التي يتقاضونها، وبمعزلٍ عن التفاصيل الصغيرة والكبيرة والمريرة وآخرها رفع البنك المركزي الدّعم عن المحروقات، تظلّ أزمة لبنان الكبرى في أنّ فئة تختطفه وتختطف شعبه بقوّة السّلاح، وليس هناك من حلّ لهذه المعضلة لأنّ الحلّ أكبر من لبنان ومن المنطقة، وهو أكبر من أن يكون لبنانياً أو عربياً ولا حتى إقليميّاً، حزب الله مشكلة تحتاج إلى حلّ دولي على طاولة مجلس الأمن وبقرار منه، فحزب الله مشكلة تركتها دول العالم كلّ بحسب مصلحته تتضخم على حساب الدولة اللبنانيّة ونفض الجميع يده من هذا الأمر تاركين للحزب أن يمعن في سيطرته على لبنان، وتشبه حال لبنان اليوم حال الرّهائن الذين اختطفهم حزب الله في ثمانينات القرن الماضي للضغط بهم على أميركا وأوروبا بحسب هويات المخطوفين لمصلحة الجبهة الإيرانية في حربها مع العراق، حتى أنّ اختطاف لبنان ودولته وشعبه أسهل بكثير على حزب الله من اختطاف رهائن أجانب!
ما نعيشه اليوم هو نتائج فقط، ومعالجة النتائج سواء بتشكيل حكومة هزيلة أو بمحاولة ترقيع الواقع المخيف ببطاقة تمويليّة لا تعرف الدولة حتى الآن من أين ستموّلها، كلّها لن تحلّ معضلة لبنان، وعلى اللبنانيين ـ وفي هذه المرحلة بالذات ـ أن يتنبّهوا لأنّ التجربة مع حزب الله أفرزت واقع استطاعته وحتى اليوم أن يفرض على لبنان ودولته كلّ السياسات التي أرادها ونجح في فرضها، أقلّه في تجربة تعطيل انتخاب رئيس جمهوريّة للبلاد حتى رضخ الجميع وانتخبوا مرشّح حزب الله، والمؤسف أنّ الجميع متواطئ على إضمار الصمت تجاه حزب الله وهو المتسبّب الحقيقي في معاناة الشعب اللبناني وانهيار البلاد، مع الإشارة إلى أنّ كلّ الكلام لن يقدّم ولن يؤخّر عند حزب الله ولا عند إيران، ومخطّطها للبنان والمنطقة العربيّة.
نحن نشهد هذه الأيّام نهاية الكيان اللبناني، وما يحدث أخطر بكثير مما كنّا نتصوّر، الناس فقدت قدرتها على الاحتمال والاستمرار، ووسط هذا المشهد السوداويّ مجدداً يجد اللبنانيّون أنفسهم مجبرين على خوض تجربة جديدة لتشكيل حكومة كائناً ما كان نوعها تزيد الوضع تفاقماً وسوءاً وسيكون مصيرها الفشل الحتمي!
منذ جاء هذا العهد والكوارث تتوالى يوميّاً على رؤوس اللبنانيين، منذ جاء هذا العهد وصدّق أكذوبة جبران باسيل أنّه «عهد قوي»، عهدٌ ترك لصهره أن يكذب الكذبة تلوَ الأخرى ورغب دائماً في تصديقها، لأنّ هذا الصهر مربى هذه المدرسة الفاشلة التي يدفع لبنان ثمن فشلها ووقاحة ممثليها، نسأل الله أن يكفي لبنان هذا البلاء السياسي بما يشاء وكيف شاء إنّه على كلّ شيء قدير…