من مؤتمر الحوار الى مؤتمر القرار
بعد انهيار الامبراطورية السوفياتية، وضع فرانسس فوكوياما المفكر السياسي الأميركي كتابه الشهير بعنوان: نهاية التاريخ. الصدمة التي أحدثها هذا الانهيار المدوي للشيوعية، حملت هذا المفكر الرأسمالي على الظن أن انتشار الديموقراطيات الليبرالية والرأسمالية والسوق الحرة على الطراز الأميركي هو نقطة النهاية للتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي للانسان على وجه هذا الكوكب! ويتضح اليوم أنه تسرّع في الحكم، لكن التطورات الراهنة تثبت أن تفاعل حركة التاريخ لا تزال مستمرة…
يحدث اليوم أمر مماثل في منطقة الشرق الأوسط. الانهيارات المتسارعة والمتتابعة تنبئ بقرب سقوط النظام العربي برمته. وانهياره سيولد صدمة تضع الشرق الأوسط على أبواب نهاية التاريخ، ولكن بمفهوم معاكس بالنسبة للعرب عن نظرية فوكوياما بالنسبة للغرب. والأعمى وحده هو الذي لا يرى أن المسرح العربي، من المحيط الى الخليج، يجري اعداده اليوم لتصفية الصراع على فلسطين، بما يتيح لاسرائيل الاعلان عن نهاية التاريخ في الشرق الأوسط، وانتصار القيم الصهيونية!
المسرح الدولي يجري اعداده أيضاً لاستقبال هذا الحدث المدوي… أوروبا ستنشغل بنفسها بعد الاستفتاء الانكليزي سواء بقيت بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه بعد انشطارها العمودي في الموقف من هذه القضية. والقطب الدولي الآخر الروسي تجري محاصرته بسلسلة من الخواصر، المفتوحة للضرب المؤلم. وظهور المرشح الأميركي الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب لم يكن مجرد صدفة. وهذا الغليان الهستيري في المنطقة والعالم، يحتّم أن يكون على رأس العالم في البيت الأبيض رئيس من الطبيعة نفسها… وذلك في المرحلة التي تعم فيها الهستيريا المنطقة والعالم!
نهاية التاريخ في لبنان لها زمن محدد باليوم والشهر والسنة، وهي ١٧ أيار/ مايو ٢٠١٧، مع انتهاء ولاية المجلس النيابي الممدد له مرتين! فلسفة الحكم والسياسة في لبنان كانت تقوم حتى الآن على قاعدة تقطيع الوقت. ومع وجود التاريخ آنف الذكر، دخل لبنان عملياً في مرحلة الوقت الذي يقطع الحكم والسياسة ولبنان معاً! والسنة الأخيرة بدأت عملياً بالتآكل وتقلصت الآن الى نحو ١١ شهراً! وأول ما ينبغي أن يتنبه له لبنان الطائفي الهش، أن عصف المذهبية المدمرة على وشك الدخول في مرحلة جديدة هوجاء تهب رياحها من الخليج واليه، مروراً من الصحراء الى ساحل البحر!.. الا اذا… الا اذا…
… الا اذا استيقظت غريزة البقاء لدى الحكم والسياسة في لبنان، وقرر حكماء لبنان الانتقال من مرحلة السفسطة السياسية والخلافات الفارغة حول التفاصيل، الى مرحلة الانقاذ الاستراتيجي. والأمر متاح من خلال الاتفاق على السلة المتكاملة، والمرشد العام اليها الرئيس نبيه بري. زمن الحوار انتهى… ولا بد من الانتقال من مؤتمر الحوار الى مؤتمر القرار!