بعد عملية «طوفان الأقصى» شاهدت مقابلة تلفزيونية على محطة «العربية» بين الصحافي الكبير الاستاذ عماد الدين أديب، الذي تعرّض لأزمة قلبية منذ عدّة أيام وأجريت له عمليتان ناجحتان. وبين صحافي إسرائيلي. في البداية، وهذا ما لفتني، ههو اتهام الاستاذ عماد أديب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو بالكذب. وقال أديب: إنه أجرى معه ثلاث مقابلات، وبالتأكيد حصل خلاف بين الاستاذ عماد والصحافي الاسرائيلي الذي حاول أن يدافع عن نتانياهو.
انطلاقاً من تلك المقابلة، وقعت بين يدي مقابلة للكاتب الاميركي ديڤيد ريمنيك REMNIC في جريدة «ذي نيويوركر» عن مسيرة نتانياهو ويبدأ بالحديث عنه، فماذا جاء في المقال:
كان بنيامين نتانياهو رئيساً لوزراء إسرائيل لفترة أطول من أي شخص في تاريخ الدولة. فمدة حكمه أطول من فترة رئاسة الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت في الولايات المتحدة الاميركية. ومع ذلك، وعلى الرغم من نجاحاته الانتخابية، فقد كان نتانياهو غير موفق في خياراته، يلهث وراء مصالحه الشخصية. فخلال ولاية نتانياهو الأولى، تحدّث مع سلفه وزميله عضو «الليكود» يتسحاق شامير منذ ما يزيد على الـ25 عاماً.. فقال عن بيبي (نتانياهو):
«إنّه ليس رجلاً جديراً بالثقة». أضاف: «لا أصدّق انه يؤمن بأي شيء، انه رجل بلا مبادئ، مغرور، والناس لا يحبّون أمثال هذا الرجل، وأنا لا أحبه».
بعد فترة وجيزة، تحدثت مع شيمون بيريز، زعيم حزب العمل الذي خسر أمام نتانياهو في العام 1996، وكان غاضباً من تصميم نتانياهو على إفشال «اتفاقية أوسلو للسلام» مع الفلسطينيين. قال بيريز: الاعتبار الوحيد لنتانياهو هو ائتلافه الخاص، انه قلق دائماً خوفاً من فقدان السلطة. هذه أولويته الدائمة».
هكذا هو نتانياهو- هكذا كان… وهكذا ظلّ طيلة مسيرته السياسية… وما يؤكد هذا الأمر ان ديڤيد بار إيلان أجاب على سؤال لي: كيف فاز نتانياهو بتصويت الارثوذكس المتطرفين على الرغم من انه رجل علماني؟ أجاب: انه مراوغ ومحتال… لا تهمّه إلا مصالحه الشخصية.
وعندما نشر تصريح بار إيلان في صحيفة «نيويوركر» ثم في الصحافة الاسرائيلية غضب نتانياهو، ومنع مساعده بار إيلان من السفر في طائرته الخاصة.
الجميع يعرفون نتانياهو… وعلى الرغم من ذلك استطاع الحصول على مواقف تأييد له من أفرقاء عدة لأنه كاذب وانتهازي.. لقد جاء من أصول اشكنازية… وهو في الواقع لا يشكّل صدمة لأنصاره من الاسرائيليين لأنهم يعرفون تماماً انه مخادع… لكنه يستميلهم من خلال تقديم خدمات لهم.
أما الآن في معركة «طوفان الأقصى» واجتياح غزّة، فقد وصلت «الدراما» التي يمثلها نتانياهو والتي امتدت لجيل كامل الى لحظة الإحباط.
لقد سعى نتانياهو الى تحقيق هدفه في التمسّك بالسلطة بأي ثمن، وفي مواجهة الاتهامات الجنائية. فشكّل ائتلافاً وزارياً من المستبدين المتسلطين والمتطرفين الذين عقدوا العزم على اختراق استقلال القضاء، وحريّة الصحافة، وحقوق الأقليات، وسياسة الاحتجاج والمعارضة. ويحاول الكنيست اليوم التخلص من سلطة القضاء الذي يحاول نتانياهو السيطرة عليه تماماً وشلّ عمله خوفاً من أن تعمد المحكمة العليا الى إلغاء إجراءات الهيئة التشريعية.
من هنا أقول: إنّ قدرة الحكومة على التصرّف من دون قيود قضائية ليست سوى عنصر واحد في قائمة غير ليبرالية تتضمن أيضاً جهوداً لتقييد وسائل الاعلام التي تعتبر شديدة الانتقاد لفكرة إعفاء الارثوذكس المتطرفين من التجنيد العسكري رغبة في إرضائهم. لقد عَمَد نتانياهو الى احتقار القانون وشجع على نموّ الأقليات العرقية، وحكومته المتطرفة اليوم تنسجم تماماً مع الحكومات والاحزاب الخارجية في الدول الاخرى التي تؤمن مثله بالتطرّف.
إنّ نتانياهو في الواقع هو «ترامب الثاني» يؤمن بالأهداف نفسها التي يؤمن بها دونالد ترامب الرئيس الاميركي السابق.
ومما شجع نتانياهو على تمرير مبادئه، ان الاحزاب والفئات ذات الميول اليسارية في إسرائيل كانت محبطة وضعيفة لسنوات.
لقد قوبل نتانياهو وحكمه اليميني المتطرف بمعارضات جماهيرية كبيرة من الفئات التالية:
أولاً: المتظاهرون الذين يخشون من ان الاصلاح القضائي سوف يجرّد المرأة من الحقوق المدنية. وفي هذا المجال اقترح رئيس اتحاد العمال «الهستدروت» أرنون بار ديڤيد إمكانية الاضراب العام.
ثانياً: صوّتت نقابة الأطباء الاسرائيلية التي تمثّل جميع الأطباء في إسرائيل على استخدام كل الوسائل المتاحة، إذا لزم الامر، لتفادي الاصلاح القضائي.
ثالثاً: لقد هدّدت شخصيات بارزة في صناعة التكنولوجيا بمغادرة البلاد إذا طبّق الاصلاح القضائي.
رابعاً: الأكثر إثارة وأهمية ان مئات الطيارين الاحتياطيين في القوات الجوية وقّعوا عريضة احتجاج، وهددوا بعدم تنفيذ الأوامر عند استدعائهم.
لقد أخبرني الصحافي الاسرائيلي البارز أنشل فيفر انه لم يحدث ان وجد في تاريخ إسرائيل أي رئيس وزراء في وضع أضعف من نتانياهو. فخلال خمسة وسبعين عاماً، لم يكن هناك أي سؤال حول ولاء الجيش أو أي نوع من العصيان الجماعي كما هو اليوم. لقد انتقلنا مع نتانياهو من فكرة: مَن هو رئيس الوزراء الذي حكم مدّة أطول، الى فكرة: مَن هو أضعف رئيس وزراء مرّ في تاريخ إسرائيل؟
لقد حاول الاسرائيليون الكثر المعارضون لنتانياهو الاستعانة بالرئيس الاميركي جو بايدن. فبعض اللافتات في الاحتجاجات الاسبوعية حملت:
«ايها الرئيس بايدن ساعدنا من فضلك للتخلص من نتانياهو».
وبالفعل أرسل بايدن إشارات واضحة لنتانياهو بأنه يهدد استقرار بلده، ويهدّد علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة.
وفي هذا المجال، كتب رئيس تحرير صحيفة «هآرتس» اليومية ألوف بن: إنّ هذه الاشارات تدل على ان الولايات المتحدة تطالب باستبدال هذا الائتلاف بآخرين، للتخلص من المتعصبين مثل يتسائيل سموتريتش، وإيتامار بن غفير، واستبدالهم بغانتس وهو جنرال متقاعد ورئيس وزراء مناوب من 2020 الى 2021.
أضاف بن: من المستحيل تحقيق حتى بند واحد من البنود التي وضعتها حكومة نتانياهو المتطرفة.
إنّ الشخص الوحيد برأي الصحافي ألوف بن، الذي يملك سلطة سحب حبل الطوارئ وإيقاف قطار الدمار الذي يقوده نتانياهو هو بيني غانتس. فقد آن الأوان لإزاحة نتانياهو والمجيء بغانتس المنقذ الذي قد يعيد إسرائيل الى الحياة بعد أن قضى عليها نتانياهو أو كاد.
إنّها شهادة كاتب غير عربي (أميركي) برجل فقد صوابه وبات على شفير الهاوية بعد عملية «طوفان الأقصى».