تطوى نهاية الاسبوع الجاري صفحة عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، ويغادر إلى منزله الفخم في الرابية، بعد ست سنوات حافلة، بالاداء السيِّىء والمريع للسلطة، وتعطيل عمل الحكومات وعرقلة الاصلاحات، وتجاوز الدستور، واستباحة المؤسسات، وتسييس القضاء واستغلاله لمصالح خاصة، وتعميم الفساد ونهب الاموال العامة، بالكهرباء والسدود المثقوبة، واستعداء الاطراف السياسيين، واثارة الحساسيات والعصبيات الطائفية والمذهبية، وعزل لبنان عن الدول العربية الشقيقة والصديقة، وصولا إلى إغراق لبنان بأبشع كارثة مالية واقتصادية ومعيشية، مرت عليه بتاريخه الحديث.
كما اصبح معروفا، استهل عون عهده، بإيهام اللبنانيين، بسلسلة من الوعود الوردية والشعارات البراقة، بالتغيير ومكافحة الفساد، والنهوض بالدولة، وارفقت بإسقاط توصيف القوة الوهمي، على الأداء المتعثر، لرئيس الجمهورية بممارسة السلطة والتعاطي مع الأطراف السياسيين، بادارة الدولة وتسيير شؤون المواطنين، خلافا للواقع وللتغطية على اخفاقات العهد في ادارة السلطة وفشله الذريع في معالجة الملفات والمواضيع المطروحة.
كانت بداية انطلاقة العهد منذ الاشهر الاولى غير مشجعة، واتسمت، بممارسات تجاوز الدستور وتكريس صلاحيات واعراف غير دستورية لرئيس الجمهورية، وسلوكيات استفزازية وعبثية وطائفية، ارتسمت من خلالها ملامح الاداء السياسي السيِّىء، للفريق الرئاسي على مختلف المستويات، واستهلت بانقلاب رئيس الجمهورية ورئيس التيارالوطني الحر النائب جبران باسيل على التفاهمات السياسية التي اوصلت عون للرئاسة، وكانت البداية، بالتملص من تفاهم معراب مع القوات اللبنانية ونكران مفاعيله بالكامل، ثم تلى ذلك الاعلان عن ان حكومة الرئيس سعد الحريري، التي كانت من اسس التفاهم مع زعيم تيار المستقبل، لانتخاب عون رئيسا للجمهورية، بانها ليست الحكومة الاولى للعهد، في محاولة لنكران وجودها وطعنها بالصميم، الى ان استكمل المخطط المبيت بتعطيل العديد من خطط الحكومة الاولى والثانية للحريري، إن كان بتعطيل مسارها بإدارة شؤون الدولة، او بعرقلة تنفيذ الاصلاحات التي نص عليها مؤتمر «سيدر كشرط اساسي، لصرف مبلغ الاثني عشر مليار دولار»، الذي نجح الحريري باقناع المشاركين فيه بتخصيص هذا المبلغ الضخم، لمساعدة لبنان لمعالجة الاوضاع الاقتصادية والنهوض بمختلف القطاعات فيه.
وهكذا بدأت سبحة استعداءات العهد تتوسع تباعا، بعدما اوكل عون صلاحيات الرئاسة لصهره بالحل والربط في ادارة شؤون الرئاسة نيابة عنه، ما زاد الامور سوءًا، في منتصف الولاية، بافتعال الصدامات والاستفزازات، إن كان مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، او مع باقي الاطراف، ولاسيما بالجبل، وكادت تؤدي إلى فتنة كبيرة، الى ان اندلعت انتفاضة ١٧ تشرين الاول عام ٢٠١٩، احتجاجا على الممارسات السيئة للسلطة وتعطيل عمل الحكومات.
فشل عون وصهره من خلال تشكيل حكومة حسان دياب، من جانب واحد وبمعزل عن أي حيثية شعبية وسياسية داعمة لها، في إحداث أي نقلة نوعية بادارة السلطة وتحقيق الحد الادنى من شعاراته الوهمية، بل على العكس، من ذلك، فقد انزلق البلد إلى مزيد من التدهور وتراكم الازمات والمشاكل، جراء الادارة الفاشلة للازمة المالية والتمنُّع عن سداد مستحقات سندات اليورو بوند، وسياسة الدعم على السلع التي استهلكت جزءًا كبيراً من احتياطي مصرف لبنان، حتى وصل الامر بعون نفسه، بتسمية الوضع الذي وصل اليه لبنان بجهنم .
لم يستفد رئيس الجمهورية من فرصة مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لتشكيل حكومة مهمة لانقاذ لبنان برئاسة سعد الحريري، بعد تفجير مرفأ بيروت، وارساء علاقة جديدة معه والتعاون بصدق وجدية لحل الازمة المالية والاقتصادية الصعبة، ولإنقاذ ما تبقَّى من عمر العهد وبذل ما في وسعه مع صهره وحليفه حزب الله لتعطيل المبادرة الفرنسية وافشال مهمة الحريري بتشكيل حكومة اخصائيين.
تجاوز حدود السلطة بذرائع الصلاحيات أدى إلى الاستئثار والتحكم بالقرار
في آخر الولاية، تكررت ممارسات رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره بتعطيل تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، كما في سابق الحكومات، بأساليبه التسلطية على السلطة، مكررا محاولاته تكريس اعراف غير دستورية، وتجاوز حدود السلطة، تحت ذرائع الحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية تارة والحفاظ على حقوق المسيحيين تارة اخرى، بينما الهدف المستبطن، الاستئثار بالسلطة والتحكم بالقرار، ولكن الفرق هذه المرة، ان العهد في أيامه الاخيرة وليس في بداياته.
يغادر عون القصر الرئاسي هذه المرة، وفي حصيلة عهده جبل من التراكمات والاخفاقات والارتكابات ونهب الاموال العامة. تجاوز الصلاحيات الدستورية والاعتداء المبرمج لاستهداف صلاحيات رئيس الحكومة ودستور الطائف، اكبر كارثة انهيار مالي واقتصادي، تسبب بجانب كبير منها اداؤه السياسي الفاشل، بتعطيل عمل الحكومات، شلّ القضاء بتجميد مرسوم التعيينات القضائية منذ سنوات، واستغلال بعضه في إطار تصفية الحسابات السياسية، ومعاداته لافرقاء الداخل، وانحيازه للمحور الايراني على حساب لبنان وعلاقاته العربية والدولية، وضعية مؤسسات الدولة اللبنانية في حال اهتراء، والظلمة الشاملة تعم لبنان كله، والتيار الكهربائي مدمر بالكامل على يد صهره وفريقه السياسي، بينما بقيت شعاراته الجوفاء والوهمية، من اعادة اللاجئين السوريين الى بلادهم، الى مكافحة الفساد، بقيت تتردد بلا مفاعيل تنفيذية. ولو بملف واحد عقيم يواجه به خصومه ومعارضيه.لم تنفع كل الدعايات والضجيج الإعلامي لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، الذي تم التوصل اليه بتفاهمات اقليمية ودولية مكشوفة بعد مرحلة من التعطيل المتعمد لقوى الممانعة، والتيار العوني من بينهم، استمرت لعقد من الزمن، في التغطية على سلسلة الاخفاقات والفشل الذريع للعهد العوني، الذي سيسمى بأسوأ تجربة وأبأسها وأفشل عهد رئاسي.