بقوّة السّلاح، لم تترك إيران في المدى المنظور فعاليّة لأيّ دورٍ عربيّ ولا أوروبي ولا أميركي في لبنان، ولا في المنطقة حتى، والعرب مأزومون اليوم كلٌّ غارقٌ حتى أذنيْه في أزماتٍ كبرى خلقتها لهم إيران داخل حدودهم أو على تخومها، مصرُ نفسها التي تحاول أن تضطّلع بدور بالنيابة عن العرب في لبنان مأزومة، إلا أنّ الله أنقذها من البراثن الإيرانيّة حتى، وأيّام لم يكن العرب مأزومون وكانوا في أيام سباتٍ شتويّ طويل، تعاطوا مع الشأن اللبناني على طريقة «حادت عن ضهري» فتركوا الشقاء واللجوء والسلاح الفلسطيني علينا، ودفع لبنان وقتها فاتورةً باهظة عن العرب كلّهم، حتى يحافظوا على سياسة» حايد عن ضهري.. بسيطة»!!
والحديث الذي رافق زيارة وزير خارجية مصر سامح شكري عن طبخة رئاسية ما، وإن كان الرّجل مستمعاً أكثر منه متكلّماً، لم يُشْعر اللبنانيّين بأدنى تفاؤل، مفتاح الرئاسة في لبنان ضائع، وإيران العاجزة عن فرض رئيس، وهذه حقيقة مسلّم بها، قادرة على عرقلة جهود العالم أجمع في حال وجد هذا العالم وقتاً للالتفات إلى لبنان، لمحاولة إنقاذه من مهاترات بنيه، أترحّم هذه الأيام كثيرة على الرئيس الراحل الياس الهراوي الذي قال يوماً «نحن شعب لم يبلغ سنّ الرّشد»، النّقار المحلّي يعرف اللبنانيّون أنّه لتضييع الوقت ليس إلا، محاولات إلهاء متكرّرة لن تفضي إلى توافق، وللتذكير فقط انتخب الرئيس ميشال سليمان رئيساً تحت طأة السلاح واتفاق الدوحة، ولولا ذاك المناخ لما انتُخِبَ رئيس حتى اليوم ربّما!!
والحديث أيضاً عن لبنان الضائع بين الڤاتيكان وفرنسا، يستحضر في ذاكرتنا الخروج الأميركي من لبنان العام 1989، والمحاولات الفرنسيّة التي باءت كلّها بالفشل بالرغم من المحاولات الڤاتيكانيّة، تُرِك لبنان لمصيره حينها وللإحتلال السوري وللتعنّت اللبناني الداخلي، يبدو كأنّ التاريخ يُعيد نفسه، فبالرّغم من الهدوء النسبي الذي نعيشه، لبنان متروكٌ لقدره البائس، الإنقسام اللبناني على حاله لم يتغيّر شيء في هذا «الموّال» ولا قدر ذرّة، والارتهانات للمحاور لا تزال قائمة منذ ثورة العام 1958 وحتى يومنا هذا، والانقسام على ما يبدو قدرٌ مقدور لشعبنا منذ أيام الممالك الفينيقيّة!!
ستبقى إيران قابضة على لبنان، ومن مفارقات جولة وزير الخارجيّة المصري مقاطعة حزب الله لأي لقاء معه، وهذا يعني أن «المكتوب» الإيراني يُقرأ من عنوان مقاطعة حزب الله لأي لقاء ولو هامشي مع الوزير سامح شكري، وهذا يدفعنا لشبه قناعة أن الدور العربي كُتبت نهايته في لبنان حتى يحين أَجَلُ إيران في المنطقة، وهذا الرّهان هو الأمل الوحيد المتبقّي للبنان وللعرب معه أيضاً…
شئنا أم أبينا، وبالرّغم من كلّ الرّفض ـ حتى بأضعف الإيمان ـ الذي واجهنا به بدعة «المسار والمصير» التي ربط بها الاحتلال السوري لبنان به منذ العام 1975، والتي تظهّرت كمصطلح بعد مؤتمر مدريد للسلام، تتكرّس من جديد برغم دعاوى «الحياد» اللبناني الباطلة، الاحتدام على أشدّه في المنطقة، ولن يتبيّـن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من مصير الرئاسة اللبنانيّة، وصيغة لا غالب ولا مغلوب التي تنفع في لبنان، لن تنفع في سوريا هناك المعادلة هي «يا قاتل يا مقتول»، وكلّ الوعود برئيس جمهوريّة قبل آخر العام، مجرّد وعود تنتظر نتائج الانتخابات الأميركيّة، التي لن تأخذ مفاعيلها إلا في العام المقبل بصرف النظر عمّن سيكون الرئيس، سبق وسمعنا ترشيحات مواعيد كثيرة ضربت لانتخاب الرئيس وباءت بالفشل، فَلِمَ سيكون موعد آخر العام أفضل من مواعيد سابقة أو لاحقة؟!