في مثل هذا اليوم 22 تشرين الاول 1989، أي قبل 27 عاماً، أقرّ النواب المجتمعون في مدينة الطائف وثيقة الوفاق الوطني، بعد اجتماعات استمرّت من واحد تشرين الاول الى الثاني والعشرين منه. حظي هذ الاتفاق على أغلبية مسيحية بقيادة الكاردينال صفير وتأييد القوات اللبنانية والنواب المسيحيّين. عاد النواب يوم الخامس من تشرين الثاني الى مطار القليعات وعقدوا جلسة لمجلس النواب على الاراضي اللبنانية، وصدّقوا على وثيقة الوفاق الوطني. وبذلك أصبحت الوثيقة جزءًا من الدستور وعلى اساسها انتخب رينيه معوض رئيساً للجمهورية.
يوم الاستقلال في 22 تشرين الثاني قبل 27 عاما، وبعد شهر واحد على إقرار وثيقة الوفاق الوطني، تمّت عملية اغتيال الرئيس معوض. فطلب البطريرك صفير آنذاك مهلة أسبوع للتشاور مع القيادات المسيحية لتأمين مرشّح يحظى باجماع مسيحي في تلك الظروف الدقيقة. فكان الرد أن سحب النواب ليلاً الى البقاع، وحدّد يوم 24 تشرين الثاني موعداً لانتخاب رئيس جديد في بارك اوتيل شتورا ووضعت شروط تعجيزية على النائب بيار حلو لانتخابه، ومنها ضرب قصر بعبدا، وبعد رفضه، انتخب الرئيس الياس الهراوي في 24 تشرين الثاني.
حافظ اتفاق الطائف على التوازن الوطني بين المسيحيين والمسلمين لمدة شهر واحد فقط، بين 22 تشرين الاول يوم إقرار الوثيقة و22 تشرين الثاني يوم اغتيال الرئيس معوض، وكان ذلك بداية ما اصطلح على تسميته بالاحباط المسيحي والذي توالت فصوله من انتخابات 92 التي قاطعها المسيحيّون الى التمديد للرئيس الهراوي، من دون ان ننسى ضرب بعبدا ونفي الرئيس الجميل واعتقال جعجع وصولاً الى انتخاب الرئيس لحود والتمديد له ثمّ انتخاب الرئيس سليمان وكان آخرها الشغور الرئاسي الحالي لمدة سنتين وستة أشهر.
عشية الذكرى السابعة والعشرين لاقرار وثيقة الوفاق الوطني، رشّح سعد الحريري ميشال عون لرئاسة الجمهورية كخيار أخير بعد أن كان قد رشّح جعجع على مدى اثنين وعشرين جلسة انتخاب وقبل ان يذهب جعجع الى الرابية لإعلان التفاهم مع عون، ثمّ رشّح سليمان فرنجية على مدى عام، مع التأييد الدائم لترشيح الرئيس الجميل. وبذلك يكون قد امتثل لإرادة المسيحيّين في اختيار رئيس الجمهورية وفق لائحة الأربعة التي أعلنها البطريرك الراعي، كما كان قد امتثل في 2005 و2009 لارادة الثنائي الشيعي بانتخابات رئاسة مجلس النوّاب. وبترشيح ميشال عون يكون سعد الحريري قد أنهى سبعة وعشرين عاما من الاحباط المسيحي وأسبابه.
الآن لا بدّ للثنائي المسيحي عون وجعجع أن يعيدا النظر في توجّههما السياسي داخل المكوّن الوطني المسيحي كي لا يتخلّص المسيحيّون من الاحباط ويقعون ضحية الغلبة والاقصاء، كما حصل في الانتخابات البلدية، مما يفرض على الثنائي المسيحي الاعتراف بتضحيات الرموز الوطنية المسيحية التي قاومت العزل والاقصاء والابعاد والاعتقال والاغتيال، وفي مقدمتهم البطريرك صفير والمطران يوسف بشارة، ورموز قرنة شهوان سمير فرنجية وفارس سعيد وسمير عبد الملك وصلاح حنين ووو، والمرشّح الرئاسي هنري حلو نجل بيار الحلو وحفيد ميشال شيحا، وكذلك رموز البريستول و14 آذار من المسيحيين المستقلين الشهداء والأحياء، لأنه لولا صمود هؤلاء وحنكتهم وحكمة البطريرك صفير لما وصل الثنائي المسيحي الى ما وصلوا اليه اليوم. وذلك اضعف الإيمان، هذا اذا ما كان الثنائي الماروني يريد ان يخرج المسيحيّين من الاحباط ليشاركوا في انقاذ لبنان، وهو ثمن بخس أمام الأثمان التي دفعها وسيدفعها سعد الحريري لإنهائه الاحباط المسيحي بعد سبعة وعشرين عاماً، لأنّ السياسة هي علم الخسارة.