من بين الخطوات الجادة لملاحقة انتشار السلاح الإيراني، بين الجماعات والميليشيات المتقاتلة في العالم، خطوة وزارة العدل الأميركية، التي أعلنت فيها عن مصادرة شحنتي أسلحة إيرانية في بحر العرب، كانتا في طريقهما إلى ميليشيات الحوثيين في اليمن، فهي تؤكد حجم التورط الإيراني في الحرب اليمنية، بدعم ميليشيات عائلية خارجة على سلطة الدولة، حيث قال ماثيو أولسن، مساعد المدعي العام، من قسم الأمن القومي بالوزارة: إن «تصرف الولايات المتحدة في هاتين الحالتين، وجه ضربة مدوية للحكومة الإيرانية والشبكات الإجرامية التي يدعمها الحرس الثوري».
وزارة العدل الأميركية أوضحت أنها أمرت بتوجيه العائدات من بيع النفط الإيراني المصادر والبالغة نحو 27 مليون دولار، إلى صندوق ضحايا الإرهاب، مما يؤكد القناعة الأميركية بأن من تدعمهم إيران هم جماعات إرهابية، وبالتالي فإن إيران ملزمة بتعويض الضحايا، وقد تصبح ملاحقة قضائيا عن جرائم الميليشيات التي يدعمها النظام الإيراني، في مناطق عدة من العالم.
رغم مصادرة السلاح وهو في طريقه إلى ميليشيات الحوثي لتغذية الحرب اليمنية، لم تخجل البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة من القول إن «واشنطن تمارس سرقة نفطنا في المياه الدولية» بينما الحقيقة عكس ذلك.
الخطوة الأميركية لشرعنة رصد ملايين الدولارات لضحايا الإرهاب من أموال إيرانية مصادرة من تمويل الإرهاب، تعتبر خطوة مهمة في مجال كبح جماح النظام الإيراني وإعادته إلى التصرف كدولة وليس كنظام خارج عن القانون الدولي، لم يراعِ المعاهدات والمواثيق الدولية التي تمنع الدول من دعم الجماعات المسلحة وتغذية الصراعات المحلية في البلدان المضطربة.
فالسلاح والبترول المصادر عادة ما يكون وجهته الذراع الإيرانية في العالم العربي المتمثلة في مجموعة ميليشيات منها ميليشيا «حزب الله» في جنوب لبنان والذي يقاتل لصالح مشاريع إيران في العراق وسوريا بحجة حماية المراقد الشيعية، وميليشيات الحشد الشعبي، وميليشيا الحوثي وهي جميعها ميليشيات داخل دول من المفترض أنها ذات سيادة، ميليشيات بسلاح إيراني تخدم أجندة إيرانية في بلاد العرب.
السلاح الإيراني طال حتى النزاع والصراع في الصومال، ولعل ما ذكرته المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة والتي مقرها جنيف، في دراسة لها منشورة، أن 400 قطعة سلاح إيراني المصدر جرى توثيقها في 13 موقعاً بأنحاء الصومال على مدى ثمانية أشهر ومخزونات من 13 قارباً اعترضتها سفن عسكرية.
النظام الإيراني يسعى باستمرار إلى توسيع نفوذه، من خلال الميليشيات المدعومة بالسلاح والمال، وأيضاً من خلال خطاب شعبوي يغازل فيه مبادئ عامة لا يلتزم بها النظام الإيراني في الخفاء، بل يتجاوز ذلك إلى استعمال خطاب متعالٍ، مشبع بشوفونية نرجسية، خاصةً في محيطه العربي، والإصرار على تزوير التاريخ والجغرافيا، في حين كان الأجدر بها التصرف كدولة مسؤولة وكبيرة في المنطقة، بدلاً من تصرفها كطائفة دينية، يساعدها في ذلك منهج الولاء للفقيه، فالنظام الإيراني لا يهمه الإسلام «شيعياً» كان أم «سنياً» بقدر ما يهمه النفوذ الإيراني من خلال عودة خريطة نفوذ الإمبراطورية الفارسية، فالنظام الثيوقراطي في إيران يكرس ولاية الفقيه، رغم أن الكثيرين في إيران ينشدون التغيير والتحرر من عباءة خامنئي، ولهذا فشلت أي محاولة للإصلاح أو اختراق المنظومة الخمينية.
النظام الإيراني اعتاد أن يحشد الجموع حوله بعد تغييب العقل الجمعي لها، بينما الدبلوماسية الإيرانية تفاوض وتقدم التنازلات لإرضاء «الشيطان الأكبر»، وحتى لا تبقى الملفات الثلاثة عالقة وهي الملف النووي والاعتراف بإسرائيل وملف العلاقات الأميركية والغربية؟
أزمة بعض من يدور في فلك النظام الإيراني في ثنائية الهوية والانتماء للوطن وحدوده الجغرافية، خاصةً بعض الميليشيات والجماعات في لبنان والعراق واليمن، ضمن أجندة النظام الإيراني لخلط الأوراق والتدخل في شؤون الدول الأخرى وصناعة شخوص محلية تخدم أجندات إيرانية خالصة.