برحيل رستم غزالي تُخْتَمُ مرحلةٌ مهمة من تاريخ لبنان… مرحلة مأساوية دون أدنى شك، كشفت عن حقيقة التركيبة السياسية اللبنانية أكثر، أو بقدر، ما كشفت عن حقيقة دور النظام الأمني اللبناني – السوري المشترك، وعملياً الأمن السوري واتباعه في الأمن اللبناني.
لقد قُيض لي، في تلك الحقبة، أن أتمكن من الإطلاع على وقائع وتفاصيل مذهلة من خلال دوري كمستشار لمسؤولين كبار أو كمسؤول إعلامي في بعض المواقع. ويمكن القول إنّ ما سجّلته الذاكرة من تصرّفات الطاقم السياسي اللبناني في معظمه، وباستثناء قلة قليلة نادرة، يشير الى إنحطاط مذهل، والى شهوة مروّعة للنفوذ، وإلى قدرة خرافية على الإنبطاح…
ومن باب الإنصاف يجدر القول إنّ تلك «المزايا» لم تكن وقفاً على الطاقم السياسي وحده، بل «شارك» في مثالبها رجال إقتصاد، ورجال دين، و«مثقفون»! وأيضاً عسكريون وأمنيون (…)
جاء رجال الوصاية الى لبنان، معتبرين تواجدهم هنا (مجرّد هذا التواجد) إنجازاً في حد ذاته… ثم إكتشفوا أنّ معظم المتعاطين في الشأن العام يسيل لعابهم أمام «الأجنبي» سواء أكان شقيقاً بدائياً في علم الهيمنة، أم إستعمارياً تقليدياً. كان الواحد من اولئك المنبطحين أمام رستم غزالي، وقبله أمام غازي كنعان، بل أمام إتباعهما من الضباط وحتى الصفوف الدنيا… كان الواحد من اولئك مستعداً لأن يقدّم كل شيء… كل شيء من دون استثناء أو تحفّظ… لا إستثناء في المال، ولا في الكرامة، ولا تحفظ عن المحرّمات!
وهي مرحلة معروفة بـ«أبطالها» ووقائعها المخجلة! ولسنا في وارد إعادة سردها (أو بعضها) هنا. فقط نكتفي بتلك الإشارة لنخلص الى الآتي:
1- إننا لا نريد أن نبرىء زمن الوصاية، ونحن نشير الى أخطاء أهل الداخل.
2 – إنّ المنطق يقول إن الأدوار مثل الآنية الفارغة، إذا لم تملأها ملأها غيرك… حتى الهواء يملأها!
3 – إن الشهوة للنفوذ التي تعصف بأهل الداخل جعلتهم يستسيغون ما لا يستساغ، ويتساهلون بما لا تسمح الكرامة الإنسانية بالتسامح فيه!
4 – إنّ عقدة الأجنبي (الخارج) تحكّمت فينا، ولا تزال، لدرجة أننا عاجزون (منذ إنتهاء الوصاية) عن تشكيل طبيعي لحكومة طبيعية، وعن إنتخاب النواب، وعن إجراء الإستحقاق الرئاسي، وحتى عن تعيين القادة الأمنيين وحتى الإداريين (…)
5 – من أسف أن الكثيرين من رموز تلك المرحلة مازالوا يتصدّرون ويعطوننا دروساً…
6 – ذلك ماضٍ يأمل اللبنانيون العاديون أن يكون قد مضى الى غير رجعة… ولكنهم يأملون أكثر أن نكون قد تعلّمنا من تلك التجربة المخزية التي ضربت لبنان في صميم كيانه وميثاقه ومقوّماته… ولكن يبدو أننا لم نتعلم.
وسؤال أخير: ما صحّة أن رستم غزالي باع مذكراته من دار نشر أوروبية؟ وإن هناك خمس نسخ من تلك المذكرات موّزعة بين لبنان وباريس ودبي ولندن ونيويورك؟!