جملة عناوين داخلية وخارجية تزاحمت فتقاسمت الاهتمامات المحلية،.وان كانت السياسة اولوية في انتظار جديد رئاسي لم يتبلور، فان اللوحة السريالية التي رسمها كل من رئيس مجلس النواب والرئيس السابق سعد الحريري من خلال ضخ موجة من التفاؤل المفرط بقرب ايجاد الحلول، وتصعيد العماد ميشال عون الذي خرج عن صمته في ذكرى الرابع عشر من آذار، بدات تتضح معالمها في ظل انقلاب موازين القوى نتيجة الانسحاب الروسي المفاجئ من سوريا .
فالقرار الذي فرضته عوامل عدة وفق مصادر متابعة، أبرزها الكلفة المالية التي يتكبدها الاقتصاد الروسي جراء التدخل العسكري في سوريا، والتي تضاهي كلفته السياسية اذ ساهم في خلق حالة سنية تناصب موسكو العداء، ناهيك عن تعزيزه العزلة الاوروبية لروسيا والتي فرضت اثر ممارسات موسكو في اوكرانيا، فضلا عن استعدادات القوة العسكرية الاسلامية برئاسة السعودية المطّردة بعد انتهاء مناورات «رعد الشمال»، لدخول الميدان السوري في المرحلة المقبلة واحتمال ان ينتج اشتباكات روسية – عربية يرفضها بوتين.
ظروف ترافقت مع الخلاف العميق مع طهران حول استمرارية الحرب تشير المصادر، والذي ظهر خلال زيارة وزير الدفاع الإيراني الى موسكو طالبا منها التراجع عن اتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية لوقف إطلاق النار في سوريا، بحسب تقارير دبلوماسية غربية، من جهة ، والخلاف مع الرئيس السوري بشار الأسد حول مستقبله، الرافض للسير في خارطة طريق بوتين التي «تجبره» على التنحي وتسليم الحكم على مراحل.من هنا كانت الخطوة الروسية في اتجاه الضغط عبر ايصال رسالة للأسد وطهران مفادها أنه لن يقف إلى جانبهم في الصراع المستمر، علهم يوافقون على الحل السياسي في الأزمة السورية، رغم الاخراج الذي جاء عليه الاعلان عبر تسريب خبر اتصال بوتين – الاسد بحسب التقارير الغربية.
وتجمع التحليلات الغربية على ان الخطوة جاءت لافتة في التوقيت الذي يحمل الكثير من الدلالات، اذ انها اتت بعد أيام من اللقاء الذي جمع العاهل السعودي الملك سلمان ووزير الخارجية الاميركية جون كيري، من جهة، وبعد تلاوة أوباما فعل الندامة على صفحات مجلة «اتلنتيك» ، منتقدا السعودية وتركيا وحتى اسرائيل والأوروبيين، معبرا عن حالة الندم من جهة والفخر بعدم ضرب سوريا من جهة أخرى،في ظل الوضعية غير المريحة لموسكو، بحسب مصادر دبلوماسية غربية في بيروت ،كانت وضعت نهاية شباط كتاريخ لبدء الانسحاب الروسي من سوريا مع نفاذ التمويل المخصص للعملية،بعد ان تكون قد امنت موقعا تفاوضيا جيدا للرئيس بشار الاسد.
غير أن المصادر تستبعد ان يكون التوافق الاميركي- الروسي على ضرورة تسوية النزاع السوري مناورة لن تبلغ خواتيمها المرجوّة، اذ انها تترافق مع معطيات اقليمية لافتة كالتواصل الايراني – التركي المستجد والاتصالات الاميركية – السعودية في شأن الازمتين اليمنية والسورية اللتين كانتا مدار بحث بين العاهل السعودي الملك سلمان وكيري الذي زار الرياض أمس قبيل مباحثات جنيف، وهذه الحركة تدل وفق المصادر الى توجهات جدية لمعالجة الملفات الساخنة وتمهيد الطريق امام تسوية شاملة في المنطقة.
وفي حين ينقل عن دبلوماسيين أوروبيين ترجيحَهم الا يتبلور الحل المنشود سوريّا قريبا وأن تستمر حال المراوحة ، رغم ان الخطوة تصب في خانة دفع مفاوضات جنيف، الى حين تبيان هوية الرئيس الاميركي الجديد، تشير الى ان الضغط الاميركي -الروسي -الاوروبي سيزداد في المرحلة المقبلة وانطلاقا من أروقة جنيف، لاستعجال التسوية قبل مغادرة الرئيس باراك اوباما البيت الابيض، لان خلفه قد لا يعتمد الاسلوب نفسه في مقاربة الازمة وقد يطوي صفحة التعاون والتساهل مع موسكو ويعتمد خطابا عالي السقف ويستعيد فصول المواجهة مع روسيا. عليه، فان القطبين البارزين سيضعان ثقلهما في اطلاق عجلة التسوية اليوم قبل الغد، خشية ان يؤدي خلط الاوراق اميركيا الى بعثرة الجهود المشتركة المبذولة وبالتالي عرقلة الحل، ما سيرتد سلبا على المساعي لارساء التهدئة في المنطقة.
المصادر الديبلوماسية الغربية التي قللت من اهمية ما يثار عن «سايكس- بيكو» جديد سيغير وجه المنطقة فتؤكد ان حدود سايكس بيكو باقية لكن التغيير سيكون داخل حدود الدول سواء بانشاء أقاليم او حكم لا مركزي، اوضحت ان الجانبين الروسي والاميركي يتجهان الى اعتماد الفدراليات على الطريقة العراقية المفترض اعتمادها بحيث يكون لكل مكون سياسي او طائفي حكمه المركزي الذي يراعي خصوصياته مع ادارة مركزية واحدة، بيد ان سائر الاطراف ومن بينها دول الجوار ترفض الطرح وتعتبر انه يختزن في داخله عناصر صراع وحروب طائفية في مراحل لاحقة كما تأخذ على هذا الطرح انه يمنح امتيازات لفئة ويحجبها عن فئات، من خلال منح العلويين حكما فدراليا على المنطقة الممتدة من اللاذقية الى الجولان على طول الخط اللبناني، بما تعني هذه المنطقة ان بالنسبة للاهمية الجغرافية او لكونها تبقي امتداد النظام الحاكم مع لبنان. وتشدد المصادر نفسها، على ان لبنان الرسمي يتمسك بوحدة سوريا ويشدد على وضع حل يأخذ في الاعتبار جميع المكونات السياسية وعدم عزل اي منها، على ان يبدأ الحل من نقطة انشاء مناطق آمنة على الحدود يعود اليها النازحون الى حين ترتيب شؤون عودتهم الى مناطقهم.
هذه التغييرات لا شك ستترك انعكاساتها على الساحة اللبنانية على حد قول مصادر في 14 آذار. فكما اعتُبر انطلاق «عاصفة السوخوي» نقطة تحوّل في اللعبة الاقليمية ، حيث فرح داعمو محور «الممانعة» معتبرين ما يحصل هو لصالحهم ويرجح كفتهم في سوريا ولبنان واليمن والعراق، بالتاكيد سيترك الانسحاب الروسي، وفق المصادر نفسها، تأثيرات بارزة في المشهد الاقليمي ،معيدا خلط الاوراق الى حدّ قلب الموازين التي كانت تحكم الستاتيكو القائم ، مشيرة الى ان الرهانات التي بنيت على « عاصفة السوخوي» سقطت، مع تحقيق الدب الروسي مصالحه الخاصة فقط.
انطلاقا من هنا، يتوقع أن تشهد الايام المقبلة انخفاضا تدريجيا في السقوف السياسية لفريق 8 آذار بحسب مصادر 14 آذار، وسط الحديث عن بدء انسحاب «حزب الله» من سوريا ،خاصة اذا ما بقيت الهدنة صامدة وانطلقت الحرب العربية والدولية على «داعش»على الارض، ما سينعكس بالتاكيد على الملف الرئاسي، وتقول المصادر ان على قيادة حزب الله اعادة قراءة حساباتها في ضوء المستجد الروسي، اقله رئاسيا ، اذا ما ثبت أن المنطقة ذاهبة الى خيارات تصالحية لا صدامية، ما ينسف فكرة الرئيس – الطرف من أساساتها، معومة الطروحَ التوافقية، فتدفع لبنانيا نحو انتخاب رئيس من خارج الاصطفافات السياسية الحادة، يعتمد «اعلان بعبدا» ومبدأ تحييد لبنان مساراً يسير في هداه في المرحلة المقبلة.