صالح وما أدراك ما «طالح»! الرجل الذي خبر الحروب والمؤامرات والمناورات والدسائس واستخدام النيران وتصفية الخصوم وتسويق الوعود الكاذبة، يكون بعد قرار مجلس الأمن القاضي بفرض عقوبات على نجله وقواته والحوثيين تحت الفصل السابع – قد انكشف الغطاء عنه وحانت ساعته.
كانت غالبية النداءات قبل توقيع «المبادرة الخليجية» بشأن إنهاء الأزمة اليمنية في عام 2011 تدعو إلى إبعاد «المخلوع» علي عبدالله صالح خارج البلاد، لأن بقاءه سيضر بها، نظراً إلى تاريخه المؤامراتي، وحيله المغشوشة، وأفكاره الانتقامية، لكن الأمور لم تسرْ على هذا النحو، وهو ما جعله يلعب بالنار منذ أن نُزع منه كرسي الرئاسة!
صحيفة «يمن برس» نشرت تقريراً صحافياً شيقاً نقلاً عن صحيفة مصرية بعنوان «سيناريوهات نهاية الوغد علي عبدالله صالح»! وقبل ذلك ناقشت مقالات عدّة خطورة بقائه في اليمن، متسائلة: لماذا لا يُبعد أو يبتعد صالح؟ كان الزعيم «عفاش» على مدى ثلاثة عقود يُعطّل كل الحلول في اليمن بالحيل والكذب والرقص على جراح اليمن بالمؤامرات والتصفيات والتفجيرات، حتى أُجبر على التنحي عن السلطة، عقب تفجير كاد يودي بحياته خلال صلاة الجمعة في مسجد النهدين بصنعاء بشظية اخترقت صدره، واستقرت بين قلبه ورئتيه، ونقلته السعودية ومن أصيبوا معه على الفور إلى المستشفى العسكري في قلب الرياض، واضعة كل إمكاناتها الطبية لإنقاذ حياته ورجاله، حتى عاد إلى اليمن سليماً معافى.
عندما اشتدت الأزمة اليمنية لم تترك دول الخليج الجار والشقيق اليمن يواجه مصيره وحيداً، بل اتخذت موقفاً داعماً له عبر المبادرة الخليجية، التي وقّعت عليها كل الأطراف اليمنية في الرياض، منقذة اليمن من الانهيار والفشل والمصير المجهول.
لسوء الحظ، منحت «المبادرة الخليجية» صالح حصانة من «الملاحقة القضائية»، وفضّل البقاء في اليمن، وهو يبيّت النية لـ«الثأر والانتقام» و«شيطنة البلاد» عبر التحالف مع كل خصومه من «الحوثيين» و«القاعدة»، راغباً في تدمير بلاده، ومتجاهلاً الوفاء السعودي والخليجي.
عمل لاحقاً على زعزعة أمن اليمن، وتعطيل الحلول السلمية، ما اضطر السعودية ودولاً خليجية وغربية إلى تحذيره رسمياً، لكنه ظلّ يتعنت ويكابر، ويرفض الاستجابة لتلك التحذيرات، والانصياع لصوت العقل.
خطّط صالح، وساند «الحوثيين»، حتى احتلوا صنعاء، ووضع القوى العسكرية الموالية له تحت إمرتهم، ثم وضع الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي وعدداً من رموز نظامه تحت «الإقامة الجبرية»، لبث الفوضى في البلاد.
لم يكتفِ «عفاش» بذلك، بل تجاوز كل الخطوط الحمر بمهاجمة عدن، فجاءت إشارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ببدء «عاصفة الحزم» لـ«ردع التمرد الحوثي» ومن يغويه ويواليه، وأولهم صالح.
وبعد مرور 20 يوماً على «العاصفة» لا يزال السؤال أين يختبئ «صالح»؟ فاليمنيون يطلبون «رأسه»، بعد أن عمل على إحراق اليمن وتدمير أمنه وإشعال الأوضاع بالتحالف مع «القاعدة» تارة، ومع المتمردين «الحوثيين» تارة أخرى، واللعب على التناقضات الداخلية، تارة ثالثة، مستفيداً من ضعف الرئيس هادي.
غالبية التقارير تقول إن «عفاش» هرب من منزله في صنعاء بعد انطلاق «عاصفة الحزم» إلى مسقط رأسه (منطقة سنحان)، وما ظهوره بعد «عاصفة الحزم» بـ«بيان تلفزيوني»، ودعوته لوقف العمليات العسكرية والعودة إلى الحوار والبراءة من الحوثي إلا دلالة على «انهزامه المبكر»، عندما أيقن أن «رأسه مطلوب»، وأن العاصفة تستهدف قواته و«شلة» العابثين بأمن اليمن.
وبعد انطلاق «عاصفة الحزم»، يرى اليمنيون أن الخلاص منه ومن الحوثي سيعيد إلى اليمن استقراره، وأن استمرار قوتهما في المشهد اليمني سيزيد الأمور تعقيداً.
الأوضاع في اليمن «مقلقة» وعلى صفيح ساخن، والخشية من أن يتحول إلى دولة فاشلة بامتياز، مثل الصومال، فتتكاثر مشكلاته واضطراباته، بشكل يؤثر في جيرانه، ويجعله غير قادر على مواجهة التحديات والاختراقات، فيستعصي على كل الحلول والمبادرات، لاسيما مع وجود السلاح في كل منزل يمني.
«عاصفة الحزم» هبّت، وهدفها تخليص اليمن من المرتزقة والعابثين والمخربين والمساومين على أمن بلادهم، وهو ما يُوجب استمرارها، حتى تقضي على جحافلهم، وقبل ذلك إصدار قائمة بأسماء المطلوبين للعدالة، وعلى رأسهم صالح و«الحوثي»، وكل قيادات الإجرام، بالتزامن مع إعلان مكافأة كبيرة لمن يقبض عليهم، أو يُبلّغ عنهم لبث الرعب في قلوبهم، وليتأكدوا أن «العاصفة» بدأت لتقضي عليهم وتحمي الناس من شرورهم.
الأكيد أن ساعة «صالح» حانت، ولم يبق أمامه إلا الهرب أو القتال، والنتيجة ستكون إما قتله أو القبض عليه، لتُكتب نهاية «مجرم حرب»، خصوصاً أن لا أحد يقبل به، بعد أن حاول إقناع دولتين «خليجيتين» باستضافته ورفضتا، لعلمهما أنه «خائن لبلاده وأهله ومن كان وفياً معه».