يشيع العدو الإسرائيلي أخباراً تفيد بأن المفاوضات مع لبنان بشأن الحدود ستكون محصورة في الجانب البحري. وافق على أن لا تكون مدة المفاوضات محصورة بستة أشهر، لكنه لا يزال مصراً على الفصل بين البحر والبر. في المقابل، يؤكد الجانب اللبناني ان ما تقدّم ليس سوى امنيات، وأن بيروت متمسكة بشروطها. عودة الوسيط الأميركي ستكشف الموقف الحقيقي للعدو.
تنتظر تل أبيب أن تبدأ المفاوضات بينها وبين لبنان، مطلع الشهر المقبل، بعد التفاهم على مقدمات التفاوض على الحدود البحرية بين الجانبين، مع اشتراطها فصل الحدود البرية عن البحرية. و«ترجيح» التفاوض الاسرائيلي، مبني على «التقدم الملموس» للوسيط الأميركي في حلحلة عقد وشروط متقابلة، من بينها تجاوز العدو شرط القيد الزمني للمفاوضات، مقابل تجاوز لبنان الرعاية الأممية لها، وحصرها في الجانب الأميركي، على حدّ زعم مسؤولين إسرائيليين تحدّثوا إلى وسائل الإعلام العبرية في اليومين الماضيين. وذكرت الاذاعة العبرية أن الوسيط الاميركي، ديفيد ساترفيلد، التقى لهذه الغاية، الجمعة الماضي، وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شطاينتس، وكذلك مستشار الأمن القومي مئير بن شبات، وتوصل الى تفاهمات معهما، تتعلق بتوقيع مذكرة تفاهم تمهيداً لبدء المفاوضات الثنائية.
وقال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى للقناة الـ 13 العبرية، إن تطوراً مهماً سجل نتيجة محادثات ساترفيلد في كل من إسرائيل ولبنان، للبدء بمحادثات ترسيم الحدود البحرية، بعد حلحلة عدد كبير من المسائل التي كانت عالقة حتى الأمس القريب، و«إذا لم تبرز عراقيل إضافية، فستبدأ المحادثات المباشرة في تموز المقبل».
في التفاصيل، ذكرت القناة نقلا عن مسؤول إسرائيلي، قالت إنه مطّلع على نتائج محادثات ساترفيلد في لبنان وإسرائيل، التوصل إلى تسوية إزاء الشرط اللبناني المسبق المتعلق بمدة المفاوضات، فتقرر أن لا تُقيَّد زمنياً، بخلاف مطلب إسرائيل التي كانت تريد حصر مدة المفاوضات بستة أشهر، مع اتفاق الجانبين على أن يرد في مذكرة التفاهم أنهما سيسعيان الى إنهاء التفاوض خلال ستة أشهر. أما قناة «كانْ» العبرية، فأشارت إلى أن لبنان رفض في البدء الإشارة إلى مدة الستة أشهر، وإن لم تكن ملزمة «لكن هذا ما حصل، وهذا ما اتفق عليه في نهاية المطاف».
وكانت إسرائيل، كما ورد في تقارير عبرية، اشترطت رعاية الولايات المتحدة للمفاوضات، وتعاملت مع هذا الشرط على أنه خط أحمر لا يمكن التنازل عنه، «فهي لا توافق على أن يتدخل أي طرف آخر في الوساطة، ولكن بعد أن ضغط لبنان، اتفق على السماح بوجود ممثل للأمم المتحدة في غرفة المحادثات».
من جهتها، نقلت قناة «كانْ» أنه «من اللحظة التي تبدأ فيها المحادثات بين لبنان واسرائيل، التي تقررت من حيث المبدأ بعد اسبوعين على الحدود في الناقورة، يمكن لشركات الطاقة الدولية صاحبة امتيازات التنقيب بين الجانبين، أن تقوم باستطلاع مشترك في المنطقة المختلف عليها بين الدولتين، التي قدر مصدر إسرائيلي رفيع المستوى، أن تحتوي على حقول كبيرة من النفط والغاز الطبيعي».
يريد العدو، فور بدء المفاوضات، السماح لشركات النفط باستطلاع المنطقة «المتنازع عليها»
ويرد في تقرير الإذاعة العبرية أن ساترفيلد سيعود إلى لبنان لكي يتلقّى جواباً نهائياً من المسؤولين اللبنانيين، و«التقدير في إسرائيل انه يمكن التوصل إلى اتفاق نهائي هذا الأسبوع». وشددت نقلاً عن مصادر إسرائيلية رفيعة أنه «إذا لم تستجد عراقيل أخرى، فستبدأ المفاوضات المباشرة بين إسرائيل ولبنان خلال شهر تموز، وهو في ذاته يعد من ناحية إسرائيل تطور سياسي دراماتيكي كبير جداً».
في ما يرد من تل أبيب، نقلاً عن «مصادر رفيعة» إسرائيلية أو تقارير اعلامية عبرية، تأكيدات تبدو متناقضة عما كان يجري تداوله في لبنان، بعد كل جولة من جولات ساترفيلد بين الجانبين. فهل هناك تراجع إسرائيلي أو «فحص للإرادات» اللبنانية المقابلة؟ علماً بأن المقاربة الاسرائيلية تشير إلى الآتي:
مشاركة مستشار الأمن القومي الاسرائيلي، مائير بن شبات، في محادثات ساترفيلد في إسرائيل، دلالة على النظرة الإسرائيلية إلى موضوع التفاوض، التي تتجاوز في ذاتها حدّها الاقتصادي إلى المصالح الأمنية الإسرائيلية، وهو ما يفترض بالجانب اللبناني قراءته جيداً، والبناء عليه، سواء ما يتعلق بفهم الدوافع الإسرائيلية من ذلك، أو لجهة استخدام هذا العامل لتحقيق ما أمكن من مصالح لبنانية، بما يتجاوز الحدود البحرية والمنطقة «المتنازع» عليها بين الجانبين.
الواضح أيضاً أن تل أبيب تنظر إلى المفاوضات في حال بدأت بالفعل، بصرف النظر عن شروطها وكيفيتها ونتائجها، تكريساً لمنطق التفاوض الثنائي على الخلافات بين الجانبين، خاصة أنها تأتي برعاية اميركية لا أممية (بحسب ما يُنشر في إعلام العدو حتى يوم أمس)، وهي نتيجة «تطور سياسي دراماتيكي وكبير جداً، بين لبنان واسرائيل»، حسب قول مصدر إسرائيلي رفيع المستوى للقناة الـ 13 العبرية أمس.
في تصريحات ومواقف وتسريبات العدو، الواضح أن إرادة التفاوض تتجه كي تنحصر في الخلاف على الحدود البحرية دون البرية، وهو ما أكدته كل التقارير الواردة من تل أبيب، التي أبرزت أن تفاهماً حصل على هذه الحصرية بين الجانبين برعاية اميركية، وهو ما يخالف ما جرى التداول به لبنانيا، مع اخر جولة قام بها ساترفيلد، وايحائه عن تضمن المحادثات «الخلاف البري بين الجانبين».
رفض العدو أن تشمل المحادثات الحدود البرية كما البحرية، يؤكد أن التوجه إلى المحادثات لا يهدف إلى إيجاد حلول لكل «خلافات الحدود» وإنهاء التحفظات عليها، بل إلى تسوية تتعلق تحديداً بالمنطقة «المتنازع» عليها في البحر، بهدف الاستفادة منها سياسياً واقتصادياً، وإلا لكان المنطق التفاوضي ذاته انسحب أيضاَ على الحدود البرية.
تبدو تل أبيب مستعجلة جداً للاستفادة من المحادثات في اللحظة التي تبدأ فيها، من دون انتظار نتائجها. وهذا التوجه كان أحد أسباب محاولة فرض تقييد المدة الزمنية بستة أشهر. تأكيد العدو التفاهم (وهو ما يتطلب تأكيداً لبنانياً موازياً) على تمكين الشركات الأجنبية من استطلاع المنطقة البحرية موضوع المفاوضات، يبدو مصادرة لنتيجة المحادثات نفسها، وحسم استباقي لوجود «الحصة الإسرائيلية» التي ستكون وازنة، وتستدعي إعداد الشركات لاستطلاعها، فور بدء المحادثات!
في المقابل، تنفي مصادر لبنانية معنية بالمفاوضات ما نُشِر في الإعلام الإسرائيلي، لافتة إلى أن ساترفلد أجّل موعد وصوله إلى بيروت لأيام، من دون أن يتضح سبب هذا التأجيل. ويُتوقع هذه المرة أن يحمل الزائر الأميركي معه إجابات من حكومة العدو على الشروط اللبنانية، التي سمعها في زيارته الأخيرة لبيروت. ونفت المصادر اللبنانية قطعاً ما نشره الإعلام العبري عن الفصل بين الحدود البحرية والحدود البرية، معتبرة أنها تعبّر عن «أمنيات إسرائيلية أكثر من تعبيرها عن الواقع». فبالنسبة للبنان لا مفاوضات إذا لم يتم التلازم بين مساري البر والبحر. وبالتالي، إن عودة ساترفيلد بجواب سلبي على الشروط اللبنانية، سيعني أن من السابق لأوانه الحديث عن موعد للمفاوضات.