مر خبر إهداء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دبابة كان قد غنمها الجيش السوري من الجيش الإسرائيلي إبان اجتياح لبنان عام 1982 بردا وسلاما على إعلام الممانعة. لا خبر ولا تعليق ولا أي إشارة أو تحليل لخبر أثار اهتماما إعلاميا روسيا وإسرائيليا وسيتوج بمزيد من الزيارات والتنسيق بين البلدين اللذين سيحتفلان خلال زيارة سيقوم بها نتنياهو إلى موسكو قريبا بمرور خمسة وعشرين عاما على إعادة العلاقات بينهما.
من يتابع الإعلام الإسرائيلي والروسي سيلحظ ارتفاع منسوب الود والحميمية في العلاقة ما بين نتنياهو وبوتين إذ تشير المراسلات المنشورة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي طلب من بوتين إعادة الدبابة لأنها الذكرى الباقية لعائلات الجنود الإسرائيليين المفقودين في معركة خاضوها مع الجيش السوري في لبنان آنذاك وكان رد بوتين حافلا بالإيجابية وبالتأثر من مناشدة نتنياهو.
وللحقيقة فإن المثير في الأمر ليس ما يحصل من تقارب بين نتنياهو وبوتين بل كيف يتم هذا عبرنا شاطبا كل الأكاذيب التي نتبادلها حول المقاومة والممانعة ودون أن يرف لنا جفن. فالدبابة غنمتها سوريا «منارة» الممانعة العربية وهي سلمت الدبابة لبوتين ليقدمها عربون احترام لذكرى جنود إسرائيليين. حصل ذلك فيما «حزب الله» يقاتل إلى جانب روسيا في سوريا جماعات تكفيرية يقول: إن إسرائيل وراءها بل ويقتل له قادة مهدت روسيا للطيران الإسرائيلي أن ينال منهم.
هل هناك من تشابك غريب ومهين أكثر من هذا.
لكن وكما لم يشعر النظام السوري و«حزب الله» بحاجة إلى تفسير كل تلك المفارقات المهينة لهما معا أيضا لم يشعر ذاك الإعلام الممانع بحاجة لأن يفسر إلى جمهوره ما يحصل. مرة جديدة يطغى ذاك البكم فيشل قدرة الممانعين والمقاومين سواء أكانوا سياسيين أم إعلاميين وحتى جمهورا على الكلام والتعليق فيسود الصمت والتجاهل المخزي. لكن هذا الصمت ليس سوى استمرار لذاك الصمت الأكبر حيال ما يحصل في سوريا نفسها وحيال حقيقة الأدوار التي انخرط فيها هؤلاء وهي أدوار لن تتوقف حيال فضيحة كفضيحة قبول سوريا تسليم دبابة إلى إسرائيل عبر روسيا.
لقد حكم النظام السوري بقبضة من حديد باسم مقاومته إسرائيل وكذلك فعل «حزب الله» في لبنان والآن في سوريا باسم أيضا مقاومة إسرائيل. تجاور هذه الكذبة مع حقيقة العلاقة بين حليف المقاومة فلاديمير بوتين وصديقه بنيامين نتنياهو لم يشعر ذاك الحلف بأي رغبة في التوضيح أو الإقناع أو حتى التعليق. وكأننا في مرحلة تجاوزت كل ذلك بحيث باتت الأدوار واضحة إلى حد لم يعد خافيا كم يعيش الحزب مأزقا في خطابه لكنه لا يملك ترف النقاش فالأولوية المفروضة هي القتال والموت على يد الحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء.
في الحرب السورية لم تعد إسرائيل عدوا ولو قتلت مسؤولين لـ«حزب الله». فهي مطمئنة إلى حد مطالبتها بدبابة في سياق اهتمامها بذكرى رمزية لجنودها. ما كان يمكن أن تتمكن إسرائيل من مثل هذا الطلب وما كان ممكنا أن يلبي بوتين عبر نظام بشار الأسد هذا الأمر لو لم تكن الأمور على هذا القدر من الوضوح.
إنها دبابة العدو الذي لم يعد عدوا٬ فلا ضير من إعادتها واستئناف خطاباتنا الكاذبة.