على وقع تصاعد قدرات محور المقاومة من إيران إلى حزب الله في لبنان، قدَّم رئيس أركان جيش العدو أفيف كوخافي خطته المتعدّدة السنوات «تنوفا» (زخم ــــ 2020/2024) التي تأمل بتوسيع الفجوة النوعية التي قلّصتها المقاومة مع العدو خلال السنوات الماضية، ومنح القيادة السياسية هامش المناورة بعدما قيّدتها المقاومة بمروحة خيارات خطرة.
وتُمثّل هذه الخطة محطة مركزية في محاولة الجيش الإسرائيلي بناء قوة في وجه التهديدات التي تشخصها قيادته في البيئة الإقليمية. وهي تنبع من تشخيص المؤسسة العسكرية لطبيعة التهديدات وحجمها ومفاعيلها على الأمن القومي، وبلورة المفاهيم العملانية التي ينبغي توفرها للرد على هذه التهديدات، ومناقشة الموازنة المالية التي تحتاج إليها.
وهي تأتي ترجمة للمفهوم العملاني الذي تحاول إسرائيل من خلاله الردّ على تحدّيات البيئة الإقليمية وما تنطوي عليه من تطورات على المستويَين الاستراتيجي والعملاني. وقد عبّر كوخافي عن ذلك بالقول إن الهدف من الخطة زيادة القدرات التدميرية للجيش. لكن مواقف رئيس الأركان، في مناسبات متعددة، توضح بشكل جليّ نتائج الخطط السابقة منذ ما بعد حرب عام 2006 (خطة «تيفن» ــــ 2008/2012 وخطة «غدعون» ــــ 2015/2019). وهو ما أجمله ضمناً، كوخافي، في أول جلسة لهيئة الأركان (15/1/2019)، بأن هناك «عملية تحوّل خطرة» يمرّ بها حزب الله وحماس، عبر الانتقال من «ميليشيا» الى جيش (ليس بالمعنى التنظيمي، بل على مستوى القدرات). ومحذّراً من أن «الفجوة النوعية» بين هذا «الجيش» والجيش الإسرائيلي تتقلص، لافتاً الى أن حزب الله يواصل التطور واستغلال تفوّقه النسبي في التخفّي وتحت الأرض، ويبني قوة هجومية ويحسِّن كمية صواريخه ودقّتها، ويُدخل إلى الخدمة وسائل قتالية جديدة نسبياً مثل المحلقات والطائرات المسيرة وغيرها.
وفي الشهر الأخير من السنة الماضية، عزَّز التقدير الاستخباري السنوي المفهوم نفسه بالحديث عمّا سماه «سباق تسلح» بين إسرائيل ومحور إيران ــــ سوريا ــــ حزب الله، لافتاً إلى أن «الجانب الثاني طوَّر قدرات تكنولوجية وقلَّص فجوات مقابل الجيش الإسرائيلي». وأضاف التقدير الاستخباري، إنه«مع كل جهود الكبح للجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات المختلفة، فإن التعاظم الإيراني في المنطقة سجّل قفزة بعشرات النسب المئوية».
لكن مشكلة إسرائيل في الخطّة الجديدة، كما في مواجهة الخطط السابقة، أن حزب الله ومحور المقاومة يواصل ــــ بدعم الجمهورية الإسلامية في إيران ــــ تطوير قدراته الهجومية والدفاعية على المستويَين الكمّي والنوعي، وهو ما سيُقوِّض أهداف الخطة الجديدة ومفاعيلها، كما حصل مع الخطط السابقة.
وبالاستناد الى التجارب السابقة، ومضمون الخطة ومدى ملاءمتها للتهديدات المتصاعدة، قوبلت خطة «تنوفا» بقدر من الخيبة على لسان العديد من المعلّقين والخبراء. إذ تساءل بعضهم كيف أن الجيش الذي يعجز عن السيطرة على قطاع غزة يريد هزيمة إيران!
في المقابل، اعتبرت صحيفة «معاريف» أن الخطة انطوت على «زخم»، لكنها «لم تشكل تحوّلاً… ولا ثورة في بناء قوة الجيش». وحدَّدت نقاط الضعف فيها بالإشارة الى أن «من الصعب رؤية كيف ستحلّ (الخطّة) المشكلتين الأساسيتين للجيش: كيفيّة ملاءمة سلاح البر والقوة البشرية وقدراتها مع مواجهة «الطبيعة الجديدة للحرب، ونوع العدو الجديد». وهو ما أقرّ به رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت بأن حزب الله هو من «بنى وطوَّر القتال اللاتماثلي في الحلقة الأولى حول إسرائيل» ونجح باستراتيجيّته في تحدّي التفوّق الاستخباري والجوي والبري للجيش الإسرائيلي.
ليس هناك اليوم جنديّ إسرائيلي أو آمر سريّة شارك في قتال أو عمليّة عسكريّة واسعة
انطلاقاً من الرؤية نفسها، لفت المعلّق العسكري في الصحيفة، آلون بن ديفيد، الى أن «الفرضية التي انطلقت منها خطة الجيش هي أن حزب الله بشكل خاص، ليس له مركز ثقل بارز يمكن من خلال استهدافه اخراجه عن التوازن، (في إشارة الى هويته الهجينة، إذ إنه ليس جيشاً نظامياً ولا ميليشيا عصابات)، وهو ما يستوجب سحق أكبر قدر ممكن من قدراته وممتلكاته». لكن ما لم يُشر إليه بن ديفيد هو التعاظم الهائل في القدرات التدميرية المقابلة لحزب الله والقادرة على دكّ العمق الاستراتيجي لإسرائيل، الأمر الذي أدّى الى بلورة معادلة الردع القائم.
وبالمقارنة بين مقاتلي حزب الله وجنود جيش العدوّ، اقتبس بن ديفيد عن المتخصّص بالعقيدة القتالية في الجيش الإسرائيلي، بنيامين عميدرور، الذي تحدث قبل أسبوعين عن الفجوة الآخذة بالازدياد بين تخصّص جنود الجيش وحزب الله، لافتاً الى أنه في مقابل الجنود فإن مقاتلي حزب الله يتمتّعون بالرشد والتجربة. وأضاف عميدرور إن مقاتل حزب الله وحماس أطلق النيران أكثر بكثير خلال حياته، وتدرب أكثر، وشارك في معارك أكثر من أيّ جندي في الجيش. وحذّر أيضاً من ميّزة خطيرة جداً تتمثّل بأنه «في سريّة نظاميّة للجيش، ليس هناك اليوم مقاتل واحد، ولا حتى آمر سرية، شارك في قتال أو عمليّة عسكريّة واسعة».