IMLebanon

القضاء ينتصر للاستعباد!

 

أصحاب مكاتب الاستقدام ينتفضون ضدّ عقد العمل الموحّد

 

 

بقرارٍ قضائي، كسرت نقابة أصحاب مكاتب استقدام العاملات/ العمال في الخدمة المنزلية قرار دخول عقد العمل الموحد موضع التنفيذ. لم يكن الكسر اعتراضاً على الثغرات والنواقص التي تعتري العقد، وإنّما لأن هذا الأخير مسّ بمصالحهم وأرباحهم. لجأوا إلى مجلس شورى الدولة واتخذوا صفة الادعاء، بالأصالة عن أنفسهم وبالنيابة عن أصحاب العمل، في وجه وزارة العمل وأصحاب الحقوق المعنيين في العقد

 

قبل أن تكتمل فرحة وزيرة العمل، لمياء يمين، بـ«إنجازها» عقد العمل الموحّد، جاءها الرد من حيث لا تحتسب. من نقابة مكاتب استقدام العاملات المنزليات التي يفترض أنها «عضو» مشارك في صياغة بنود العقد الناظم للعلاقة بين العاملات المنزليات من جهة، وأصحاب العمل وأصحاب المكاتب من جهة أخرى. قبل أن تخطو يمّين خطوتها التالية بتعميم العقود على الكتّاب بالعدل للبدء بالتنفيذ، صدر قرار إعدادي عن مجلس شورى الدولة قضى بوقف تنفيذ العقد، وقرار آخر يتعلق بتحديد نسب الحسم من راتب العاملات في الخدمة المنزلية، سنداً إلى المراجعة التي تقدمت بها نقابة أصحاب مكاتب الاستقدام.

 

هكذا، بقرار قضائي، تمكن أصحاب المكاتب من كسر سريان العقد، بعد فشلهم في تعديل بعض بنوده. إذ يأتي القرار بعد رفض يمّين الأخذ بـ«إصلاحات» تقدم بها هؤلاء في ورقة من ثمانية بنود لم تأخذ وزيرة العمل سوى بواحد منها، فما كان منهم سوى قطع الشعرة التي كانت تربطهم بالوزارة والتوجه الى القضاء للمطالبة بـ«وقف تنفيذ ومن ثم إبطال العمل بالعقد».

في 14 الجاري، صدر قرار الشورى. هلّل أصحاب المكاتب لـ«انتصارهم» على وزارة العمل… وهم الذين لم يخسروا معركة يوماً، ولو «بالتواطؤ» مع البعض في الوزارة نفسها. لكنه، كان انتصاراً فردياً. ولا علاقة للطرف الآخر في المعادلة به، أي العاملات والعمال، على عكس ما يحاول هؤلاء الترويج له. ففي المراجعة المقدّمة من قبلهم، كانت الأسباب كافية للتدليل على «النوايا».

 

بغض النظر عن العقد غير «النموذجي» لجهة الثغرات التي تشوبه، على عكس ما كان يصفه معظم المشاركين في صياغته، إلا أن الأسباب التي أوقفت لأجلها النقابة تنفيذه كانت «شخصية». فقد بدا واضحاً فيها أن «مصالح هؤلاء تتضارب مع التقدم في مجال العقد الموحد لناحية تأمين حقوق العاملات والعمال»، على ما تقول موهانا إسحاق، المحامية في منظمة «كفى عنف واستغلال».

في الشكل، استعرضت النقابة مخالفات الوزيرة، لناحية أن القرارين لا يدخلان ضمن مهامها، وخصوصاً أن «الخدم في المنازل» – بحسب ما يرد في المراجعة – مستثنون من أحكام قانون العمل ويخضعون لقانون الموجبات والعقود. أما الأمر الآخر، فهو عدم قانونية صدور القرارين «في مرحلة تصريف الأعمال».

أما في المضمون، فقد كانت النقابة صريحة في الدفاع عن مصالحها، ومصالح أصحاب العمل، مستعرضة البنود التي تشكل ضرراً لها، وهي في الغالب بنود تقرّ بعضاً من الحقوق للعاملات والعمال. هكذا، كان أول سبب لوقف تنفيذ العقد «أنه يفرض التزامات على مكاتب الاستقدام وأرباب العمل». وانطلاقاً من تلك الالتزامات، استفاض هؤلاء في سرد ملاحظاتهم على العقد، لناحية اعتراضهم على تحديد قيمة الأجر بما لا يقل عن الحد الأدنى للأجور وتحديد ماهيّة العمل والعطل والإجازات السنوية ومن له الحق بحيازة أوراق العامل أو العاملة الثبوتية، وصولاً إلى النقطة الأساس التي تتعلق بفسخ العقد. فعلى سبيل المثال، رأت النقابة أن ما ينصّ عليه العقد في مادته الثامنة لجهة إبقاء الأوراق الثبوتية والمستندات في حوزة العاملة أمر «فيه مغامرة»، على ما يقول علي سكينة، مستشار الشؤون الإدارية والعلاقات الخارجية في النقابة. أما الاعتبار؟ فهو أنها «قد تسيء الأمانة وتغافل أصحاب المنزل وتغادر المنزل والبلد». وفي هذا السياق، أرسلت النقابة إلى الوزيرة يمّين شرحاً «ضرورياً»، أوردت جزءاً منه في المطالعة، ورأت فيه أن العاملة قد تهرب بعد إقدامها على السرقة، إذ «من المعلوم أن مقتنيات العائلات من مال وأشياء ثمينة بمتناول اليد في أغلب الأحيان، فما المانع من سلب بعض أو كل هذه الاشياء والمغادرة بها خارج البلاد في يوم عطلة الفريق الثاني وخسارة كل شيء». من هنا، طالب هؤلاء «بوضع ضوابط معينة بحيث لا تستطيع هذه العاملة مغادرة لبنان إلا ببراءة ذمة من صاحب العمل أو إبقاء أحد هذه المستندات في أمانته لضمان حقوقه وعدم تعرضه لسوء الأمانة»!

 

لم يستطع أصحاب مكاتب الاستقدام هضم ما يمنحه العقد للعاملات من «حقوق»

 

 

ومن جملة الاعتراضات أيضاً، الملاحظات على المادة التاسعة التي تتعلق بـ«حرية» تنقّل العاملة وساعات الراحة اليومية والعطل الأسبوعية والسنوية، والتي اعتبروها «over»، قد تأخذها العاملة مبرراً «للدوران على حلّ شعرها»، بحسب ما توحي تعليقات أصحاب المكاتب. ورأت النقابة أن «تلك الحرية ستحوّل المنازل الى ساحات صراع يومية بين الطرفين وتأثير ذلك على ديمومة العمل السليم، وستكون لها عواقب وخيمة نحن جميعاً أدرى بها».

هذا غيض من فيض الملاحظات التي صوّبت من خلالها النقابة سهامها على ما يفترض أن يكون حقوقاً للعاملات. لم تستطع النقابة هضم ما يمنحه العقد للعاملات من حقوق، انطلاقاً من أن العقد «لم يحمّل أيّ مسؤولية للعامل، فيما كانت كلها ملقاة على أصحاب المكاتب وأصحاب العمل»، يقول سكينة. وهو ما لا يراه الواقفون على الطرف الآخر للمعادلة دقيقاً. ففي وقت تتريّث فيه وزارة العمل بالرد، بانتظار ما ستؤول إليه المعركة، تشير إسحاق إلى أن «تحرّك النقابة لم يأت اعتراضاً على النواقص التي يحفل بها العقد، بقدر ما كان دفاعاً عن مصالح أصحاب المكاتب، وخصوصاً لناحية ترتيب العقد مصاريف معينة أو مسؤوليات». أما النقطة الأساس والتي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر القرار، فهي البند المتعلق بفسخ العقد، والذي تعترض فيه النقابة على قرار إعطاء حق الفسخ للعاملة أيضاً، وهو ما اعتبروه «انتهاكاً لما سار لفترة طويلة على أنه أمر طبيعي»، تقول إسحاق.

رغم ذلك، قرر القضاء أن يوقف العمل بالقرار. وهو ما يعدّ قضائياً خطوة ناقصة، إذ إنه راعى «بعين كبيرة مصالح مكاتب الاستقدام»، بحسب إسحاق، لكنه يبقى اعتباراً شكلياً، لناحية أن القرار «حكم بالشكل القبول بوقف التنفيذ»، أضف إلى أنه يبقى قراراً إعدادياً وليس نهائياً. والحكم في المعركة المقبلة.