بات الإرهاب وباء العصر، إذ لديه قدرة الأوبئة المعدية على إجتياز الحدود وتسجيل الإصابات. وثمة حقيقة يجب الإقرار بها وهي انه يتعذر تطويق الإرهاب واجتثاثه من جذوره بالقوة وعلى أهمية التدابير سواء ما كان منها ردعياً أم وقائياً، فإنّ لدى الإرهاب القدرة على تخطي واجتياز الحدود مهما كانت تلك التدابير اساسية ومهمة ومشدّدة، فالعالم يتعامل مع جماعات وهيئات وتنظيمات وافراد ليس أنهم لا يخشون الموت بل ينشدونه على قاعدة عقيدة خاطئة تدّعي الحراك بإسم الدين… ومعروف أنه ليس للدين علاقة بها. فالذي ينشد الموت، بل ويسعى اليه كونه مدخلاً الى ملذات ومباهج تتجاوز الوصف، لن تروّعه أي وسيلة لأنها ستكون عاجزة دون وقفه.
ولا نقول جديداً إذا قلنا إنّ المعالجة ليست «بكبسة زر» ولا هي بعصا سحرية. إذ لابد من تجفيف منابع الإرهاب بداية. وهذه عملية طويلة تبدأ بالمناهج المدرسية أولاً بأول. هذا في المبدأ. أما في التفصيل فثمة ضرورة لأن تتولى المرجعيات الدولية القادرة، بدءاً بالولايات المتحدة الأميركية، إزالة الظلم المتراكم منذ عقود طويلة، وبالذات الظلم اللاحق مباشرة بفلسطين شعباً وأرضاً. وهو ظلم يمكن إعتباره الأكبر والأبعد مدى منذ النصف الأول للقرن العشرين الماضي، وهو مستمر حتى اليوم. فقد أدى هذا الظلم الى اليأس. واليأس لا يمكن الرهان على ردود فعله.
ونبادىء الى القول إننا لا نقصد بأي شكل من الأشكال أن نخفف من وطأة الإرهاب أو أن نعطي الإرهابيين ذرائع. إنما نشير الى إقتناع راسخ في أن «الظلم مرتعه وخيم» كما يقول المثل المأثور.
فلا شك في أنّ معاناة شعب فلسطين أوجدت شعوراً حقيقياً بالظلم وهو ما ادى الى الكثير من التشدد إستغله كثيرون للتحريض واللعب على المشاعر. صحيح أنّ فلسطين غائبة كلياً أو جزئياً عن أدبيات التنظيمات الإرهابية، ولكنها كانت في المنطلق عندما ثبت أن المجتمع الدولي ليس فقط غافلاً عن حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وفي حقه بتقرير مصيره، بل هو يتصرف بما يعمّق الظلم ويكرّس اليأس والقنوط.
ولا يفوتنا في هذا السياق، أن نشير الى أنّ العواصم الغربية تحديداً لم تكتف بأن تتغاضى عن الإرهاب في العقود الماضية بل شجعته وعززته ومدّته بأنواع الدعم المختلفة، وسهّلت مساره، تحت ذريعة محاربة الشيوعية الدولية بشعار ديني مزعوم. فكان أن إنقلب السحر على الساحر. وحتى تمدّد «داعش» وأخواتها في «الدولة» القائمة على قسم كبير من أراضي العراق وسوريا، لم يكن ممكناً لولا إن غضت واشنطن النظر عنه… وعندما أدركت أن الخطر بات أكبر من الإستيعاب بدأت تتحرك فشكلت الإئتلاف الدولي الشهير الذي تشارك فيه نحو ستين دولة… ولكنّ أحداً لا يصدق أيضاً أن «داعش» استطاعت أن تستمر بل وأن تتوسع بالرغم من هذا الإئتلاف العريض المدجج بأحدث تكنولوجيا السلاح!
في أي حال الإرهاب بات وباء خطراً جداً، وما حدث أمس في بلجيكا ليس الأول ولن يكون الأخير. نقول هذا بأسف شديد. وعلى دول العالم، وفي مقدمتها الدول الغربية بزعامة واشنطن، أن تواجه هذا الوباء بصدق وشفافية وأن تسعى الدول المعنية الى تجفيف منابعه. ومكافحة الارهاب تكون بأساليب عديدة ليس فقط بالسلاح.
وإن كانت المواجهة العسكرية حتمية.