IMLebanon

جيش و شعب ضد “المقاومة”

 

 

بالرغم من كل ما حصل في لبنان خلال العام المنصرم، لم يجد رئيس كتلة “حزب الله” في المجلس النيابي فكرة جديدة يطرحها على اللبنانيين غير معادلة “جيش وشعب ومقاومة”. أربعة آلاف ضحيّة. خمسة عشر ألف جريح. مئة ألف وحدة سكنية متضرّرة. عشرة مليارات دولار خسائر اقتصاديّة. إتفاق مذلّ للحزب نفسه. أفيخاي ما زال يحدّد أوقات التجوّل في قرى الجنوب. ولكن الفكرة بقيت نفسها، برتابتها وتفاهتها. لم يجهد النائب محمّد رعد حتى لاستحداث فذلكة لغويّة جديدة، يشغل بها الشعب تحليلاً و تفسيراً بضعة أيام. ضحالة فكريّة تعبّر حقيقة عن طبيعة الحزب الأيديولوجيّة، كما عن طبيعة شخصيّة النائب الناطق باسمه. ولكن بحكم نتائج الحرب، ترك رعد مشكوراً للآخرين حريّة طرح معادلات بديلة تمنع “إخضاع إرادة اللبنانيين  وانتهاك سيادة بلدهم”، على أن تناقش الاقتراحات بجلسات “الحوار الوطني”. لا حدود للرتابة.

 

تحدّث الكثير من اللبنانيين على مرّ السنين عن معادلات بديلة عن تلك التي باتت تعرف بـ”المعادلة الخشبية”. جيش وشعب ودولة. جيش وشعب  وقضاء. جيش وشعب ومؤسسات. كلّها كانت تصلح لنقاشات ما قبل الحرب. إلا أننا اليوم أمام واقع جديد، فرض نفسه دون الحاجة إلى إخراج لغوي مفذلك لوصفه. يكفي إعادة ترتيب طبيعة العلاقة بين مكونات “الثلاثيّة الذهبية” وفق المعطيات المستجدة.

 

 

خلال الحرب، هاجم “حزب الله” – بدءاً من امينه العام ووصولاً إلى أشاوس جيشه الإلكتروني – الجيش اللبناني على اعتباره جهة معادية. صرّح نعيم قاسم تلميحاً بأن الجيش متورّط (مع إسرائيل نفسها) في عمليّة خطف قيادي أمني للحزب في منطقة البترون. صحيفة “الحزب” شبه الرسمية شنّت حملة شعواء على قائد الجيش على قاعدة أنه تابع للسفارة الأميركية (الرتابة مجدداً). ناشطو “الحزب” اعتبروا أن عدم مشاركة الجيش في القتال دفاعاً عن ميليشياتهم في “حرب الإسناد” – وهو بالمناسبة قرار استثنائي الجرأة والحكمة اتخذته القيادة في المؤسسة – خيانة عظمى. سقطت المعادلة عملياً، بعد أن كانت شيّعت نظرياً. أما بعد الحرب، فالجيش اللبناني مكلّف بحكم الإتفاق الرسمي بإزلة سلاح الحزب (بدءاً) من الجنوب، كما إغلاق أنفاقه وتفكيك بنيته التحتية ومنع عمل مصانعه الحربية في كل لبنان. الجيش مهمّته اليوم – رسمياً – إنهاء “المقاومة”.

 

 

اما الشعب، فحدّث ولا حرج. صحيح أن بيئة “الحزب” الضيّقة ما زالت مؤيدة له، بحكم التعبئة الطائفية والتخويف من “الآخر” وحملات البروباغاندا الغوبلزيّة التي لا تهدأ. ألم يقل لهم قائدهم يوماً إن السلاح هو ما يمنع “إعادتهم ماسحي أحذية”؟ إلا أنّه بات من الصعب إيجاد لبناني خارج هذه الدائرة الضيّقة (ما عدا قلّة قليلة من رواسب الفكر القومجي) ما زال مؤمناً بأنه يحق لـ”حزب الله” الاحتفاظ بسلاحه. سقطت الهيبة، ومعها حاجز الخوف. نظريات كان لها رصيدها المعنوي حتى عند الذين لم يؤيدوا “حزب الله” بحد ذاته يوماً: نحمي لبنان من إسرائيل، قوّة الردع، يقفون جميعهم على “إجر  ونص”. كلّها لم يعد لها مكان في أي نقاش جدّي. كما إنّه بغياب السيّد نصرالله عن المشهد، سقط مفعول فائض الكاريزما الذي كان يستهوي الكثيرين ممن هم خارج البيئة المؤيدة لـ”حزب الله” أو حتى لـ “المقاومة”. أي استفتاء يجرى اليوم سيظهر أن ما يفوق أغلبية اللبنانيين (بالثلثين وليس النصف زائداً واحداً) يريدون نزع السلاح غير الشرعي فوراً. والأهم أن حماستهم لهذا الهدف والتزامهم به زاد أضعافاً عما كان قبل الحرب. الشعب هدفه اليوم – شرعياً – إلغاء “المقاومة”.

 

 

بعد أيام على موافقة الحكومة اللبنانية على الإتفاق مع إسرائيل، أتحفنا النائب رعد بأن المعادلة السيئة الذكر نفسها “أرغمت العدوّ مُجدداً على وقف عدوانه”، ولذلك علينا التمسّك بها، “عود على بدء”. بغض النظر عن أن إسرائيل لم توقف هجماتها، وعن أن الجيش لا يقاتل إلى جانب الحزب، كم من الوقاحة وقلّة الحياء يحتاجها إنسان كي يقول للشعب، بعد كل ما حصل، إن عليهم العودة إلى ذاك البدء؟ إذا كان من بدءٍ على اللبنانيين العودة إليه، فهو بدء الأساسيات البديهية والطبيعية: لا سلاح خارج الشرعية، مهما اخترع له من مبرّرات ومعادلات وتنظيرات ومسببات. كما في أي دولة أخرى، لا نقاش في ذلك ولا ضرورة لحوار. أيضاً في الأساسيات، لا وجود لشيء اسمه “استراتيجية دفاعية” يكون “حزب الله” جزءاً منها. هذه المفاهيم ليست إلا عود على بدء الرتابة.

 

 

أما حماية لبنان من أي عدوان خارجي – إسرائيلياً كان أم سورياً أم إيرانياً – فجل ما يحتاجه، عود على بدء، هو فرض سيادة الدولة على أراضيها، لأنه لا يمكن للدولة – أي دولة – حماية سيادة غير موجودة أصلاً. ولهذه المهمة التأسيسية، لحسن الحظ، معادلة ذهبية تقودنا إليها: جيش وشعب ضد “المقاومة”.