كأننا نعيش في القرن الثامن عشر، حين أعلن الفيلسوف الإلماني «نيتشه» موت الله…
وكأنّ العالم أصبح اليوم غابةً من الكواسر، الجميع في حـربٍ مع الجميع والإنسان للإنسان ذئب…
سمِّروا أنظاركم على الشاشات فإذا أنتم أمام أفلام رُعاةِ البقَـرِ الأميركية، مئاتُ الأبرياء يتساقطون يومياً في الساحات في فلسطين المنكوبة، والساحات العربية بالأخصّ، نعدّ الضحايا البشرية كأنّها أرقامٌ حسابية، فيما الإنسان حسب الكُتُبِ السماوية خُلِقَ على صورة اللـه، وإنّ أيَّ اعتداءٍ على الإنسان هو اعتداءٌ على الله.
في معجم فلسفة الوجود الكوني والروحي والمادي، فإنّ مختلف القوى الطبيعية الحيّة والمحسومة بكل طاقاتها ومكوناتها: الممالك والجمهوريات والحكّام والحكومات، إنّما وُجدَت جميعها لخدمة هذا المخلوق الذي إسمه الإنسان.
«في القرآن» «ألَمْ تروا أنّ الله سخّرَ لكمْ ما في السماوات وما في الأرض» (1).
وفي المسيحية «أنّ خيرات الأرض معـدَّةٌ من اللـه للناس».
لقد توافقت نقاشات الفلاسفة في أوروبا حول علاقة المخلوق بالخالق مع الحرب التي شنّها نابوليون بونابرت على روسيا، وأودَتْ بحياة 400 ألف جندي فرنسي، فطرَحَ الفلاسفة السؤال:
كيف يحـقّ للأمبراطور بونابرت أنْ يغامر في حرب تُعرِّضُ البلادَ للدمار والشعب للإنهيار والجيش للهلاك والأمبراطورية للسقوط، فيما الأمبراطورية والجيش يجب أن يُـؤْتَمنا على حياة الشعب، فلا أمبراطورية بلا شعب، ولا شعب بلا حياة، ولقد قام الفرنسيون بثلاث ثوراتٍ لجعل سلطة الملك منبثقة من إرادة الشعب، ومن أجل أن يصبح نابوليون أمبراطور الفرنسيين لا أمبراطور فرنسا.
مَنْ الذي خوّل هتلر مثلاً أن يقضي على ألوف المعارضين في الداخل، وأن يدمّر إلمانيا في الحروب إشباعاً لغريزة القتل..؟
وكيف يحقّ للرفيق ستالين أن يُبيـد الألوف المؤلّفة بين مقتول ومنفيّ ومصفّى من أجل استمرار النظام القمعي…؟
وهل يحقّ لسلاطين بني عثمان: سليمان القانوني، ومحمد الثالث ومراد الأول والرابع أن يقتلـوا أبناءَهم وآباءهـم وأخوتهم من أجـل السيطرة على السلطة… وحـدَه محمد الثالث افتتح عهده بقتل أخوته التسعة عشر، وتصفية إبنه محمود لمصلحة إبنـه أحمد.
هناك سؤالٌ لا يزال مطروحاً عبر التاريخ، ما إذا كان الجنرال فيليب بيتان “Pétain” يُعتَبـر خائناً أو وطنياً، عندما حال دون أن يدمّـر «هتلـر» فرنسا ويقضي على كل معالمها التراثية في باريس…
اليوم في هذا الزمن المتوحّش هناك بحسب تقرير أمَمي ما يقارب الستين نزاعاً مسلّحاً في العالم يتعرّض فيه الملايين للإبادة والتشريد والنزوح أخطرها وأدهاها ما يصيب أبناء فلسطين في غـزّة.
الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية، وشرعة حقوق الإنسان، لا يرفُّ لها جفـنٌ أمام دحرجة جماجم الشعوب البريئة والـدم المسفوك.
الأميركيون، هم الذين أسَّسوا جمعية الرفق بالحيوان، وهم الذين أودَتْ قنابلهُم الذرّية بحياة أكثر من ثمانين ألف ياباني في مجزرة هيروشيما.
والقرن العشرون الذي وصفه «بريجنسكي» مستشار الأمن القومي الأميركي بأنه قرن المذابح المليونية قد طغى عليه بحجم الدم القرن الواحد والعشرون.
هذا يطرح من جديد على الفلاسفة المعاصرين النظرية السَببيّة لتكوين الخَلْق، وما إذا كان الله قد خلق الإنسان على صورته ليكون الله والإنسان فريسةَ اغتيالٍ على الأرض، وإذْ ذاك تصحُّ نظريةُ الإلحاد الدموي في رواية الكاتب الروسي «دوستويفسكي»: «إذا كان الله غير موجود فكلُّ شيءٍ مباحْ».