في مرحلة الانتظار والفراغ الذي يتوقع أن يطول، ستكون الاسابيع المتبقية من عمر عهد الرئيس ميشال عون حافلة بالمفاجآت. البحث بتشكيل الحكومة توقف عملياً، وتحديد موعد للرئيس نجيب ميقاتي بات في علم الغيب، والصراع انتقل الى الاستحقاق الرئاسي، الذي يطبخ داخلياً وخارجياً على نار باردة، في وقت لم تتبلور الصورة لدى «حزب الله» وخصومه على السواء.
يجهد الحزب لتحقيق انتصار في ملف الترسيم، فاذا بدأ التنقيب يؤمن لدولته اوكسيجيناً يجمد مرحلة الانهيار ويعطي المرحلة المقبلة القدرة على الاستمرار بنفس حكم المنظومة التي يحميها، وهذا كان احد الاسباب الرئيسية لدخوله بشكل معلن في هذا الملف كي يحصد الانجاز ويوظفه في خدمة مشروعه.
على هامش استعداد «حزب الله» للمرحلة المقبلة والأبرز فيها الانتخابات الرئاسية والترسيم، بدا أن حسم ملف الانتخابات مؤجل بانتظار مصير مفاوضات فيينا، التي تنتظر بدورها الانتخابات النصفية الأميركية، فإن ادّت الى فوز الحزب الديموقراطي ستسرع في الاتفاق، وخلاف ذلك سيكون اي فوز للحزب الجمهوري مدعاة قلق لإيران، وبالتالي مدعاة تردد في توقيع اتفاق قد تعود اي ادارة جمهورية جديدة الى نقضه كما فعلت ادارة ترامب.
في انتظار الدخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يحضر فريق الرئيس ميشال عون لبعض المفاجآت التي لن تترك الرئيس نجيب ميقاتي يحكم سعيداً بحكومة تصريف الاعمال. فما قاله عون عن رفض تسليم صلاحيات الرئيس للفراغ، وما قاله النائب جميل السيد من قصر بعبدا عن الامر نفسه من دون أن يدّعي النطق باسم بعبدا، تحوّل في ما بعد عبارة واحدة تقال على لسان مصادر بعبدا: «عون لن يبقى لحظة واحدة في القصر بعد انتهاء الولاية الرئاسية». بقدر ما تحمل هذه العبارة من جزم وتأكيد، بقدر ما تستبطن مفاجآت، وعلم في هذا الاطار بأن إحداها احتمال اصدار الرئيس عون مرسوم تشكيل حكومة انتقالية يرأسها رئيس موقع قضائي، وسيخلق هذا الامر إن حصل مشكلة دستورية شبيهة بأزمة الحكومتين في العام 1988 التي كان العماد عون طرفاً فيها، ومعروفة يومها النتائج الكارثية التي ولدتها تلك التجربة.
يركز الرئيس عون في آخر ولايته على عدم ترك القصر الجمهوري، من دون ان يخوض معارك استنهاضية لعهد الست سنوات التي شهدت أسوأ ازمة يعيشها لبنان. عدة الاستنهاض تبدأ بالصلاحيات وتمر بالحقوق ولا تنتهي بالتدقيق الجنائي، وكلها تحولت شعارات مكررة تستعمل لشد ما تبقّى من عصب مسيحي موال، على امل أن لا يخسر الوريث ما تبقى من قدرة على ادعاء تمثيل المسيحيين ونيل ثقتهم. ولهذا وجب شد هذا العصب بافتعال معركة صلاحيات مع رئيس الحكومة، وادعاء الحرص على صلاحيات الرئاسة التي هدرتها مسيرات «حزب الله».
ويراهن عون في آخر عهده على اختراق في ملف الترسيم، يمكن ان يتحوّل انجازاً يرفع من وضعية باسيل المتدحرجة نزولاً، ولهذا يستعجل المفاوضات ويحاول استباق «حزب الله»، رغم معرفته بأن قرار التفاوض والحل والربط في يد الحزب حصراً، وبأن تجيير هذا الترسيم لا يمكن الا أن يمرّ عبره.
ست سنوات من التراجع السريع والانهيار الذي يزداد خطورة، لم تكف الرئيس عون للتفكير ولو مرة واحدة بسبل الخروج من الازمة، وها هي دوائر بعبدا تحضّر بعض التكتيكات التي ستولّد أزمات أشد، وكأن المطلوب إشعال النار في حال لم يحتفظ الوريث بما حققه طوال السنوات الماضية من عمر العهد، لا بل من تاريخ عودة الجنرال من فرنسا، ذاك التاريخ الذي حاول فيه عون اقناع الجميع بأن المساكنة بين المبادئ (المفترضة) والمصالح، أمر ممكن ومربح.