IMLebanon

تصاعد التوترات في الشرق الأوسط

 

 

تتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، بصفة عامة، وفي الخليج بصفة خاصة. وليس من المفاجئ أن يكون لقرار إدارة ترمب بإنهاء الإعفاءات التي تسمح لثماني دول بشراء النفط الإيراني تأثير هائل على الاقتصاد الإيراني. ومع توقعات بانخفاض صادرات النفط الإيراني إلى 500 ألف برميل يومياً، سوف تخسر الحكومة مصدراً كبيراً للدخل، في حين يعاني الاقتصاد الإيراني الآن من هبوط حاد. وبالنظر إلى قدر الضغوط التي تمارسها الإدارة على الجمهورية الإسلامية، كان من اللازم أن يرد الإيرانيون، ويوضحوا أن الأميركيين ليسوا وحدهم من يمكنهم فرض التكاليف، فهم أيضاً يمكن أن يفرضوا تكلفة على أميركا ومصالحها وأصدقائها في المنطقة.

بالطبع أسلوب عمل الإيرانيين هو استخدام عملاء، وشن اعتداءات يمكن نفيها – أي عدم الاستفزاز المباشر. إنهم يعرفون دائماً أن مهاجمة الولايات المتحدة على نحو مباشر سوف يطلق العنان لرد فعل عسكري قوي. لذا يركزون بدلاً من ذلك على أسلوب غير مباشر، بوضع خطط وخيارات لتنفيذ عمليات تخريبية، وعن طريق عملاء ضد قوات أميركا ومصالحها وأصدقائها.

وعقب قرار ترمب بإنهاء الإعفاءات، بدأ هذا التخطيط بوضوح، واستطاعت الاستخبارات الأميركية التقاطه. وجاء قرار الإدارة بالإعلان عن هذه المعلومات الاستخباراتية، ونقل مجموعة حاملات طائرات إلى المنطقة نتيجة لاعتقاد بأنهم إذا فضحوا ما يخطط له الإيرانيون، فسوف يكون ذلك إنذاراً للإيرانيين بأننا نعلم ما يفعلونه، وسوف يعزز من ردعهم. وكان ذلك حاضراً في ذهن مستشار الأمن القومي، جون بولتون، عندما أعلن أن إيران سوف تواجه «قوة بلا هوادة» إذا اتخذت إجراءً ضد قواتنا ومصالحنا وحلفائنا الإقليميين.

ولكن بمحاولته لتغطية تهديدات كثيرة للغاية، ترك بولتون للإيرانيين مساحة كبيرة ليختبروا فيها حدود ما ستفعله أميركا، مع الكشف عن التهديدات التي تواجه أصدقاؤنا ومصالحنا. من الواضح أننا لا نريد أن تتعرض محطات النفط وناقلاته وبنيته التحتية لاعتداءات في المنطقة، ولكن هذا ما حدث بالتحديد نتيجة عدم الرد الأميركي بعد تأكيد بولتون. على سبيل المثال، في اليوم التالي لإعلان بولتون، وقع تفجير في محطة شحن نفطية بميناء ينبع السعودي.

وبعد يومين، تعرضت أربع ناقلات نفطية – اثنتان منها سعوديتان، وواحدة إماراتية وأخرى نرويجية – لعمليات تخريب عن طريق متفجرات أحدثت فجوات في هياكلها. وبعد يومين آخرين، قصفت طائرات «درون» حوثية محطتين سعوديتين لضخ النفط.

نعم بعثت الميليشيات الشيعية برسالة تدل على ما يمكنها فعله للجنود والعاملين الأميركيين المتمركزين في العراق بإطلاق صاروخ على مسافة تبعد 300 متر تقريباً من السفارة الأميركية الواقعة في «المنطقة الخضراء» في بغداد. كان من المقصود أن تكون تلك تذكرة، ولكن الاعتداءات على ناقلات النفط والأهداف النفطية ذات الصلة أمر مختلف. كان المقصود منها رفع أسعار النفط والتأمين، وليس تعمد تخويف دول الجوار فحسب، بل ربما التأثير على حسابات ترمب أيضاً. (على أي حال عندما منح ترمب إعفاءات النفط في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أوضح أنها من أجل الحفاظ على انخفاض أسعار النفط).

علاوة على ذلك، بينما يتصاعد الخطاب، وتُطرح المخاوف من سوء الحسابات للنقاش في العواصم الغربية، سارع الرئيس ترمب بقوله إنه لا يريد حرباً مع إيران. وبدا أن المرشد علي خامنئي يكرر المشاعر ذاتها عندما قال على غير عادته: «لا نريد حرباً ولا هم يريدونها…»، ولكن التوترات لم تهدأ، فيبدو أن الإيرانيين يظنون أنهم طالما يستطيعون هم أو عملاؤهم تنفيذ هجمات يمكن نفيها، لن ترد الولايات المتحدة وآخرون.

إن حقيقة عدم وجود اتصال مباشر بين الاثنين تزيد احتمالات عدم الانتباه للإشارات أو وقوع سوء تفاهم. فما الذي يمكن فعله؟ يقول الرئيس ترمب إن الإيرانيين إذا اتصلوا فسوف يتحدث معهم «ويمكن أن يعقدوا صفقة». ربما قال خامنئي إن كلا الطرفين لا يريد حرباً، ولكن سيبدو التحدث مع الأميركيين الآن شبيهاً بالاستسلام، وهو ما لن يفعله. في الواقع، في الوقت نفسه الذي قال فيه، في تصريحات يبثها التلفزيون، إن كلا الطرفين لا يريد حرباً، كان يصف الحديث مع الأميركيين بأنه مثل «السم».

تكشف السجلات التاريخية أن الإيرانيين يرغبون في عقد محادثات مع الولايات المتحدة عندما يصبحون تحت ضغط، أو يشعرون بالخوف. لا شك في أن خامنئي يُفضل محاولة البقاء حتى تنتهي مدة ترمب ثم يذهب إلى خليفته (وإلى الأوروبيين) ليقول لهم «أنتم مدينون لنا». ولكن زاد انهيار الاقتصاد الإيراني من حاجة الإيرانيين إلى البحث عن طريق للحد من الضغط الخارجي الذي تمارسه الولايات المتحدة. وربما يثمر ذلك مفاوضات؛ صحيح قد تكون غير مباشرة، نظراً لرغبة إيران في تجنب الظهور بمظهر الذي أذعن للضغط الأميركي، ولكن حتى المفاوضات غير المباشرة، ربما عبر الروس، قد تؤدي إلى اتفاق مع إدارة ترمب.

وبناءً على معرفة بالإيرانيين، فسوف يرغبون في زيادة نفوذهم قبل إجراء مثل تلك المحادثات، وربما لا يكون ذلك عن طريق استمرار عمليات تخريب البنية التحتية النفطية لآخرين فحسب، بل وأيضاً من خلال انتهاك حدود خطة العمل الشاملة المشتركة، أي الاتفاق النووي ذاته. وهذا من شأنه أن يضغط على ترمب، وكذلك على الأوروبيين. يعرف الإيرانيون أن الأوروبيين في حاجة ماسة إلى بقائهم في الاتفاق النووي، وهو سبب واحد على الأقل لكي يلعب الرئيس الإيراني حسن روحاني، على المخاوف الأوروبية، ويعطيهم مهلة حتى السابع من يوليو (تموز) لكي يثبتوا تحقيق فوائد اقتصادية لإيران لتخطي العقوبات الأميركية، وإلا لن تستمر إيران في الالتزام بالاتفاق النووي. هل يمكن أن تضغط المخاوف الأوروبية على إدارة ترمب؟ من المستبعد حدوث ذلك، ولكن ترمب يقول بالفعل إنه مستعد للحوار، وقد يزداد اهتمامه بالحوار إذا بدأ الإيرانيون في إنتاج يورانيوم مُخصَب؛ سواء على مستويات تخصيب عليا، أو بمجرد تراكم كمية تتجاوز 300 كيلوغرام، وهي الكمية المسموح بها بموجب الاتفاق النووي.

الوقت الحالي هو الأنسب لكي تتحدث الإدارة الأميركية وحلفاؤها الخليجيون عن سياساتهم المعنية تجاه إيران الآن. ربما تسأل بلدان الخليج، الرئيس وكبار مساعديه: ما الذي يسعون إلى تحقيقه؟ وما هي احتمالات التصعيد؟ وما الذي تستعد الولايات المتحدة لفعله لدعم حلفائها بطرق عملية، وهم يواجهون تخريباً أو اعتداءات بالوكالة؟ وما الذي تتوقع أميركا أن يستعد شركاؤنا لفعله؟ وإذا وافق الإيرانيون فعلاً على عرض الرئيس بالحديث، ورغبته في عقد اتفاق، كيف يمكن أن يبدو الأمر؟

الوقت الراهن مفعم بالشك، ومن أجل هذه الأوقــات تحديداً يجب أن يتحدث الحلفـــاء، ويتأكدوا من أنهم متفقـــون، أو على الأقل يعرفون مساحات الالتقـــــاء والاختلاف. على الأقل بين أميــــركا وشـــتركائها، ليس هذا هو الوقت المناسب للمفاجآت.