Site icon IMLebanon

مَن رتّب فرار كارلوس غصن؟

 

حلاّل المشاكل” هنا

 

قد يكون فرّ في صندوقٍ خشبيّ أو سافر على “بساط ريح” أو في طائرة “خمس نجوم”… لكنه، بغضِّ النظر عن الطريقة، وصل! كارلوس غصن، الرجل الكثير الحراك، بطل نيسان اليابانية الخارق وأسطورة رينو الفرنسية، في ذمة لبنان! فهل وجوده في وطنِهِ الأوّل أزمة داخلية إضافيّة أم إرادة لبنانية داخلية؟ كلّ الحقيقة موجودة عند شخص واحد وحيد هو جيمس بوند لبنان: كارلوس غصن!

ناموا وهو في اليابان واستيقظوا وهو في لبنان. وبين بين، بين هناك وهنا، إنطلقت التحليلات عن رجلٍ حازم، متفوّق، متمرد، لكن قليل الكلام وكثير الإصغاء. ومن يعرفه، من يعرف كارلوس غصن، ينقل عنه أنه هو من طلب إرجاء المؤتمر الصحافي، الذي قد يفشي فيه بعض أسرارِ فراره، أياماً مستعيناً بمقولة يوليوس قيصر: ما نفعله بسرعة لا نفعله بإتقان!

 

فهل تأنّى في ترتيب فراره أيضاً؟

 

غريبٌ هو حقاً هذا الرجل. هكذا بدا دائماً وهكذا يبدو اليوم. هو طالما أثار الحيرة في نفوسِ الكثيرين ممن تساءلوا: كيف لرجلٍ لبنانيٍّ أن يحلّ مشاكل أكبر البلاد؟ كيف هذا لرجلٍ لبنانيّ قيل عنه: هذا هو “مواطن العالم” Citoyen du monde.

 

وهذا اللقب هو الأحبّ إليه. أحبّ حتى من ذاك اللقب العالمي الذي وُصف به: الرجل المدمر Ice breaker.

 

الرجل الذي انتشل نيسان من الموت ورينو من الحضيض، المتهم يابانياً منذ 14 شهراً، وصل الى لبنان، في ليلة عاصفة، حلّت بين عام وسنة، وكرّت مع وصوله الأسئلة: كيف لرجلٍ في الإقامة الجبرية اليابانية أن ينتقل الى لبنان الداخل في جمود رهيب والمقبل (يقال) على أيامٍ سوداء كالحة؟ هو معتاد على اقتحام المتاهات ولبنان في متاهة. فهل هذا أحد أسباب تسهيل دخوله؟ هل هناك من قبض الثمن؟ سؤال. هو أتى من دون علمِ الدولة اللبنانية؟ هل علينا أن نصدق؟ هو أتى من غير علم الأمن العام؟ من ساعده في اليابان؟ ومن ساعده في تركيا؟ إسطنبول تحقق. اليابان تحقق. النيابة العامة التمييزية في لبنان استلمت طلباً من الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) لأجل توقيفه. هو قابل ذات يوم رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت. واتّهم من ثلاثة أشخاص البارحة بمخالفة قانون مقاطعة إسرائيل وتوقيعه عقوداً اقتصادية مع العدو؟ كلّ الأسقف والتهم والسيناريوات سقطت فوق رأس “الساموراي اللبناني” كارلوس غصن لكنه، على الرغم من كلِها، هو فرح لتنشقه هواء لبنان. هذا ما نقل عنه. فماذا عما لم يقله أو ما قاله ولم ينتبه إليه كثيرون؟

 

أصله من مزيارة. ولد في “بورتو فاللو” في البرازيل. يبلغ في آذار المقبل عامه السادس والستين. وأبٌ لأربعة أولاد، باتوا شاباً وثلاث شابات: كارولين، نادين، مايا وأصغر العنقود، الذي كسر معه لقب أبو البنات، هو أنتوني. أمّ أولاده هي زوجته الأولى ريتا وزوجته الحالية هي كارول. نال في العام 2001 في اليابان جائزة أفضل أب. قلّة يعرفون هذا.

 

مسبّع اللغات

 

هو عيد الميلاد الثاني يمرّ على كارلوس غصن وهو في التوقيف الإجباري، بعد أوّل ميلاد قضاه في 2018 في السجن، وكان قبل آخر ميلادين يقضي العيد في البرازيل مع شقيقيه وشقيقته. هذا ما وعد به والدته قبل أن يغادر البرازيل.

 

هو تسلّح بسبع لغات وبقدرة عالية على التأقلم مع أي بيئة جديدة. بداياته كانت في فرنسا مع شركة “ميشلان” التي استمرّ فيها 18 عاماً إنتقل بعدها الى رينو، ثم بعد أقل من ثلاث سنوات أمسك بشركتي رينو ونيسان… وعبرهما أمسك بمقابض إقتصادية أوروبية ويابانية. في اليابان منح من الأمبراطور “وسام الوشاح الأزرق” وفي أوروبا منح وسام جوقة الشرف من الحكومة الفرنسية. وأصبح رجل الأعمال الأكثر نفوذاً في العالم. وقيل عنه: هذا هو رئيس جمهورية رينو!

 

دارت الأيام. وعامت الأسرار. وبات الرجل- الأسطورة أسير التهرب من الضرائب وإساءة استخدام أموال “نيسان”. هل أساء فعلاً الأمانة؟ محاكمته لم تنته وهو أصبح اليوم في لبنان. لكن، من يعرفون “معتقدات اليابانيين” يعرفون أن هذا الشعب لا يحب الأفكار التغييرية الجامحة: ففي اليابان أوعا تفكروا بـ”الغيار”!

 

كارلوس غصن اكتشف نفسه أكثر حين خرج من “بيئته” وقال في حديث (سابق) مع الإعلامي ريكاردو كرم: الإنسان كما السمكة التي لا تعرف ما هي المياه لأنها تعيش فيها. أنا خرجت من الشرنقة التي تكتشف نفسها. وسُئل: ممَّ تخاف؟ أجاب: من ضميري.

 

هو صادق؟ لا أحد قادراً على اقتحام ضمير أحد.

 

لبناني، فرنسي، أميركي، برازيلي، ياباني. هو متعدد الإنتماءات. هو “غلوبال”. وهو، حين سُئل عن المكان الذي يجد نفسه فيه قال: أرى نفسي في لبنان، في بيروت وبعبدات، وفي ريو دو جانيرو وباريس ونيويورك وطوكيو.

 

فلنعد الى اللحظة. كارلوس غصن زار بعبدا؟ لم يزرها؟ مصادره قالت نعم أما مصادر بعبدا فقالت لا. الأيام ستُظهر أين الحقيقة. في كلِ حال، تابعت وزارة الخارجية اللبنانية دائماً ما يحصل في اليابان، وأعطى جبران باسيل توجيهاته لسفير لبنان في طوكيو نضال يحيى للإطلاع على حاجيات غصن والتأكد من سلامة الإجراءات وتوفير الدفاع القانوني له. هذا كان قبل عام. فهل شكّلت الخارجية غطاء لرجل الأعمال اليوم؟ هناك من سخر من هذا الكلام.

 

يملك كارلوس غصن صداقات وطيدة في لبنان لكن من يعرفه يعرف أنه لا يتّكل على الآخرين كثيراً. فهو لطالما آمن أن لا شيء يدوم في الحياة، حتى النجاح الكبير ينتسى في أي دقيقة ولحظة. ومن يضع هذه الحقيقة في رأسه لا يكبر رأسه.

 

عاشقٌ للنبيذ كما يعشق السيارات. وهو دعا أكثر من 600 شخصية لبنانية قبيل اعتقاله بقليل الى “إكسير” في بزبينا البترون. وشربوا جميعاً نخب لبنان والنجاح. لبنان اليوم ثائر وكارلوس غصن اليوم ضائع.

 

سُئل غصن ذات يوم: في حال قُدّرت لك العودة الى الوراء ماذا تغيّر؟ أجاب: “أف. أشياء كثيرة. أشخاص. علاقات”. ترى لو عاد كارلوس غصن أربعين عاماً الى الوراء لكان قرر أن يرمي كلّ المجد البريطاني ويبقى في البرازيل؟

 

لو عاد غصن الى الوراء لما كان تخلى ربما عن قيادة سيارة الفيات التي اقتناها أولاً. في كلِّ حال، يهم ونحن نغوص اليوم في ملف غصن أن نتذكر أن الرجل، الذي طُرح اسمه أكثر من مرّة رئيساً لجمهورية لبنان، حلّ على قائمة من يتقاضون أعلى أجور في اليابان. وهو صاحب ثروات لا يأكلها البحر والنار. فهل عاد الى لبنان في الوقت المناسب؟ هل استدعي (ولو فراراً) في الوقت المناسب؟ وإذا كان هذا ما حصل بالفعل فهل في بلادنا عقول “جيمس بوندية”؟ وإذا كانت عقول من ساعدوا أو سهلوا في لبنان قادرة أن تقوم بتسهيل فرار أحدهم من طوكيو الى اسطنبول ثم الى بيروت، فلماذا لا تُسخّر هذه العقول لإعادة الرئة الى لبنان؟

 

بعيداً من السيناريوات الكثيرة المطروحة التي ستكشف حقيقتها الأيام، مجيء كارلوس غصن في هذا الوقت الى لبنان سيف ذو حدين. فلننتظر ونرَ.