Site icon IMLebanon

طغيان ضجة المعركة على جوهر الانتخابات

لبنان يبدو عشية المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية كأنه يعيش في عصرين: واحد يدور جانب كبير من معركة الانتخابات فيه على مفاهيم القرن التاسع عشر وتقاليده. وآخر تدار المعركة خلاله بأحدث ما في القرن الحادي والعشرين من تقنيات ثورة الاتصالات. وليس خارج المألوف أن ينشغل الجميع تقريباً عن المخاطر والمشاكل والتحديات والشغور الرئاسي وهرب أمراء الطوائف من الانتخابات النيابية بالحماسة للانتخابات البلدية، التي جرى اقرارها على طريقة مكره لا بطل وبقي التشكيك في اجرائها يتردد يومياً.

وأبسط ما يتحكم بالمعادلات هو كثير من الضجيج والشعارات، وقليل من النقاش في البرامج المعلنة. شيء من طغيان الخصوصيات الضيقة كأن لبنان خارج خارطة المنطقة المشتعلة وكأن البلديات ليست في بلد، وشيء من تكبير الشعارات كأن المعارك تقرر مصير لبنان ودوره أو كأن أي وجيه محلي يخوض معركة الحفاظ على وجاهته في مواجهة حرب كونية. تكفي نظرة الى بعض اليافطات والصور المرفوعة لكي نرى مدى ما انحدرنا اليه من تفاهة وسخف، وسط أكوام من الغرور وجنون العظمة الفارغة.

ذلك أن من الوهم تصوير الانتخابات البلدية بأنها مسألة تهم المجتمع الأهلي قبل المجتمع المدني والمجتمع السياسي. والوهم الأكبر هو الدعوات الى فصل العمل البلدي عن العمل السياسي على غرار الدعوات الى تحييد الاقتصاد عن السياسة. فالانماء سياسة. والاقتصاد سياسة. والجدل حول العائلات والأحزاب يتجاهل مرضاً في لبنان ومناخاً صحياً في العالم الديمقراطي الراقي. أما المرض، فإنه كون عائلات وحتى طوائف صارت أحزاباً، وكون عدد كبير من الأحزاب تقود وتتحكم بكل منها عائلة. وأما المناخ الصحي، فإنه الذي عبّر عنه كلينتون روسيتر في كتاب أحزاب وسياسة في أميركا بالقول: لا أميركا من دون ديمقراطية، ولا ديمقراطية من دون سياسة، ولا سياسة من دون أحزاب، ولا أحزاب من دون اعتدال وتسويات.

والحل ليس انكفاء الأحزاب لمصلحة العائلات بل أن تصبح الأحزاب أحزاباً ديمقراطية حقيقية. والمشكلة المهمة التي تحتاج الى معالجة هي قانون البلديات. أولاً لجهة توسيع صلاحيات المجالس البلدية ورؤسائها في اطار اللامركزية الادارية الواسعة. وثانياً لجهة أن يكون للمقيم في المدن والبلدات والذي يدفع الضرائب وله مصلحة في تطوير العمل البلدي الحق في الانتخاب، لا أن يبقى الحق محصوراً بالمسجلين في دائرة نفوس المدينة أو البلدة، اذ في بعض البلدان يحق حتى للمقيم الذي لا يحمل جنسية البلد أن يقترع في الانتخابات البلدية.