لعله من حق السوريين، المقيمين منهم والمشتتين في أصقاع الأرض، مساءلة الأوروبيين اليوم عما اقترفت أيديهم منذ شرّعوا أبوابهم وشبابيكهم وشجعوا كل طافرعلى القدوم الى بلاد الشام، تحت شعار إزالة «الطاغوت» وبناء نظام ديموقراطي. «فها هي رسائلكم الملغومة التي قدمت الى ارضنا زرافات ووحدانا تعود إليكم قنابل متفجرة تقتل مواطنيكم، كما قتلت مواطنينا على مدى خمس سنوات متواصلة».
ولعله من واجب أوروبا بغربها وشرقها مساءلة نفسها، حيث لا ينفع الندم، ماذا جنت أيدي المسؤولين فيها، وما هي السبل الناجعة لمواجهة هذه الظاهرة الدموية التي تشغل الأوروبيين من سواحل البرتغال حتى مضيق البوسفور. فما شهدته بروكسل وقبلها باريس واسطنبول ومدن أخرى، وما ستشهده أوروبا لاحقاً على يد الجماعات الإرهابية، يفترض أن يشغل البال الى أمد طويل، لأن هذه الظاهرة ليس سهلاً اجتثاثها بين ليلة وضحاها.
ليس سراً أن المئات وربما الآلاف من الأوروبيين الذين تجنّدوا للقتال في سوريا والعراق وليبيا واليمن، قد بدأوا بالعودة إلى بلدانهم ليشكّلوا خلايا نائمة تقوم من سباتها كلما دعت الحاجة. وقد تردّد في الأيام الماضية أن «داعش» وحده أرسل اربعمئة من هؤلاء الأوروبيين الى بلادهم بعدما درّبهم وهيأهم للقيام بأعمال انتحارية. ومثل هذه الأخبار تستحق أعلى درجات القلق من الاوروبيين على مختلف مستوياتهم. فما هي السبل الناجعة لمواجهة هذه المشكلة؟
لم يفت الأوان بعد، ولكن لعله من نافلة القول إن من العبث مواجهة الـ «يورو إرهاب» بالوسائل والإجراءات الأمنية التقليدية. لم يعد في مقدور أجهزة الأمن الأوروبية مهما أبدعت أن تكافح الإرهاب على أراضيها وحدها، من دون تعاون وتنسيق دولي وإقليمي حقيقي وواسع، ومن دون الذهاب الى المصدر للقضاء على هذه الظاهرة.
هناك معادلة لا بدّ منها:
عبثاً تحقيق الاستقرار في أوروبا قبل تحقيق الاستقرار في سوريا والعراق واليمن وليبيا ودول أخرى في المنطقة يقض الإرهاب مضاجعها. ولا يمكن بالتالي تحقيق الاستقرار في هذه الدول من دون عمل دولي إقليمي جدي على مختلف الصعد السياسية والعسكرية والأمنية والمالية لاجتثاث الإرهاب من جذوره وتجفيف منابعه في المنطقة.
صار في حكم المؤكد ألا تنعم عواصم اوروبا ومدنها بالأمن والاستقرار، ما لم تنعم بهما دمشق وبغداد وصنعاء وعدن وطرابلس الغرب وبنغازي والقاهرة وتونس. ولا يمكن للخرائط الجديدة المرسومة للمنطقة أن تُنجز من دون ثمن باهظ يدفعه الغرب والشرق على السواء.
لا بدّ من تعاون دولي إقليمي حقيقي وجدي لمكافحة الارهاب، تنخرط فيه كل الدول والقوى المتضررة من هذه الظاهرة. ولا يفترض أن يستغربَنّ أحد ضرورة أن يضم هذا التعاون نظام بشار الاسد والحشد الشعبي العراقي والحوثيين في اليمن وإيران و «حزب الله»، والأخذ في الحسبان أن هذه القوى قائمة وفاعلة ولا مناص من التنسيق معها. عندها فقط يمكن الاطمئنان الى أن الـ «يورو إرهاب» على طريق الزوال. ومَن يعِش يرَ…