توجد ثغرة في التقييم الاستخباراتي للاتفاق النووي المبرم مع إيران، الذي تم عرضه على الكونغرس لدعم هذا الاتفاق: أنه أخفق في تفحص نيات النظام الإيراني حيال الالتزام حقًا بالاتفاق بمرور الوقت.
وقد أخبرني مسؤولون بالاستخبارات الأميركية وأعضاء بالكونغرس ممن راجعوا الوثيقة – المعروفة باسم الملحق السري – أنها تنص على إمكانية التحقق من التزام إيران بالاتفاق، ويرون أن الاستخبارات الأميركية بإمكانها رصد أي محاولة سرية إيرانية لبناء قنبلة نووية.
إلا أنه طبقًا لما ذكره مسؤولون وأعضاء بالكونغرس، فإن الأحكام الصادرة عن مجموعة التقييم اعتمدت على فرضية التزام طهران بإجراءات مراقبة وشفافية صارمة على امتداد فترة سريان الاتفاق، التي تصل في بعض البنود إلى 20 عامًا. بيد أن الملحق لم يتفحص كيف ستتبدل القيادة الإيرانية على مدار فترة سريان الاتفاق، وفرصة سماح القادة الإيرانيين بتنفيذ برنامج المراقبة الصارم ذاته لبرنامجها النووي المعلن بعد مرور 10 أو 15 عامًا.
ويمكن أن يمثل هذا الأمر مشكلة بالنظر لتاريخ إيران مع اتفاقيات السيطرة على الأسلحة. في الواقع، إن طهران لم تلتزم قط باتفاق تفتيش أقرته عام 2003 مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المعروف باسم البروتوكول الإضافي. وحتى يومنا هذا، لا تزال لدى الوكالة أسئلة عالقة من المفترض أن تجيب عنها طهران خلال الشهور المقبلة بخصوص نشاطات ومواقع منعت المفتشين من الدخول إليها.
يذكر أن الملحق السري أرسل إلى الكونغرس في 19 يوليو (تموز)، كجزء من وثائق يلزم القانون البيت الأبيض بتقديمها. وجرى إعداد الملحق على مدار 30 يومًا من جانب مجتمع الاستخبارات الأميركي، ولم يلتزم بالمعايير المرهقة التي تتطلب وقتًا طويلاً، اللازمة لإقرار تقدير استخباراتي وطني، الذي يعد تقديرًا استخباراتيًا يتسم بطابع رسمي أكبر.
فيما يخص مسألة نيات القيادة الإيرانية حيال الالتزام بالاتفاق، فإن أقرب نقطة اقترب عندها الملحق من تناول هذه القضية كانت عندما تفحص كيف ستحاول طهران استغلال النقاط الغامضة في الاتفاق، حسبما ذكر هؤلاء المسؤولون.
يذكر أن الملحق يؤيد وجهة نظر الرئيس أوباما بخصوص إجراءات الشفافية، التي تدور حول أن عناصر مثل مراقبة كاميرات الفيديو على مدار 24 ساعة للمنشآت النووية الإيرانية المعلن عنها والدخول إلى مناجم اليورانيوم ومنشآت إنتاج أجهزة الطرد المركزي، تجعل من هذا الاتفاق اتفاقًا قويًا، حتى وإن كان لا يدفع النظام الإيراني باتجاه الإصلاح. جدير بالذكر، أن أمام الكونغرس حتى 20 سبتمبر (أيلول) لمراجعة بنود الاتفاق. من جانبهم، يناضل معارضو الاتفاق لحشد أغلبية ثلثي الأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ لوقف الاتفاق والتغلب على أي قرار فيتو، لكن لا يزال هذا الهدف صعب المنال.
الواضح أن تقييم نيات النظام الإيراني يحمل أهمية محورية الآن، لأنه بمجرد بدء سريان هذا الاتفاق، فإن الحوافز التي يتضمنها ستزيد صعوبة إقدام المجتمع الدولي على فرض عقوبات مجددًا ضد إيران إذا ما امتنعت عن الالتزام بالاتفاق بعد بضع سنوات. وقد أخبرني مايكل هايدن، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) ومدير وكالة الأمن الوطني في عهد جورج دبليو. بوش، أن: «القيادة شديدة الغموض. وهناك مراكز قوى متصارعة. أعتقد أنه من المهم وضع تقييم لتوقعاتنا لما سيكون عليه الحال بإيران على امتداد فترة سريان الاتفاق».
يذكر أن جزءًا كبيرًا من إجراءات تخفيف العقوبات عن إيران، سيجري تنفيذها في المرحلة الأولى من الاتفاق، وذلك بعد أن تقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران اتخذت جميع الخطوات الضرورية لفتح برنامجها النووي المعلن عنه أمام التفتيش. وفي السنوات المقبلة، ستزداد صعوبة معاقبة إيران على أي انتهاكات للاتفاق الموقعة عليه.
إذا ما قررت إيران عدم السماح لعمليات التفتيش أو المراقبة داخل المنشآت المعلن عنها في لحظة ما مستقبلاً، فإن هذا الانتهاك للاتفاق سيجري التعامل معه من قبل لجنة مؤلفة من ثمانية أعضاء يمثلون الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين وإيران. وإذا ما وافقت غالبية الأعضاء على أن انتهاكًا قد وقع بالفعل، سيجري نقل القضية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وحينها ستزداد احتمالات إعادة فرض العقوبات.
بيد أن «إذا» و«من المحتمل»، ليست من الكلمات المطمئنة في موقف تكون فيه المخاطر مرتفعة بهذه الدرجة. إن بإمكان إيران الاعتماد على معارضة روسيا والصين لإعادة فرض عقوبات ضدها، ورغم أن الثلاثة وحدهم ليس بمقدورهم إعاقة عمل اللجنة، فإنه حال نجاحهم في إقناع دولة أخرى معهم، سيصبح بمقدورهم ذلك.
وقد أعرب البعض بالفعل عن بعض المخاوف حيال قابلية الاتفاق للاستمرارية لفترة طويلة منهم الجنرال مارتن ديمبسي، الرئيس المنتهية فترة ولايته لهيئة الأركان المشتركة، حيث قال: «في نهاية الأمر، سيحدد الوقت والسلوك الإيراني ما إذا كان الاتفاق النووي مع إيران مستديم».
من جهته، قال ديفين نونز، عضو مجلس النواب والرئيس الجمهوري للجنة شؤون الاستخبارات التابعة للمجلس، إنه طلب بالفعل من مجتمع الاستخبارات إجراء تقييم آخر للاتفاق.
وقد أعرب محللون عن اعتقادهم بأن لدى إيران دفاعًا للالتزام بالاتفاق، لأنه بمرور الوقت سيجري السماح لها بتحديث برنامجها النووي، وخلال السنوات الأخيرة من عمر الاتفاق، سيصبح بإمكانها تخزين قدر كافٍ من اليورانيوم يساعدها على إنتاج وقود كافٍ لصنع قنبلة نووية بسرعة.
إلا أن هناك سيناريو آخر يدور حول محاولة أطراف قوية داخل إيران، معارضة للاتفاق، تخريب جهود تنفيذه. وقد يكون بين هذه الأطراف فيالق الحرس الثوري الإيراني.
في الإطار ذاته، أخبرتني إلين ليبسون، نائبة رئيس المجلس الوطني للاستخبارات، أن الحرس الثوري يمكن أن يسبب مشكلات. وأضافت: «يمكن أن تبذل فيالق الحرس الثوري الإيراني أقصى ما يمكنها لتعطيل، بل تخريب، التنفيذ الكامل للاتفاق من خلال سلوكها، لكن لا أعتقد أن بمقدورها إعاقة بروتوكول التفتيش المتفق عليه أو منع مفتشين من الدخول إلى مبنى ما بحجة أنهم يملكونه».
وتكمن واحدة من المشكلات الرئيسية في التكهن بمدى التزام طهران بالاتفاق بمرور الوقت في أن واشنطن لا تتمتع بقدرة كبيرة على هذا الصعيد تحديدًا، فلا تزال القيادة الإيرانية من القضايا التي يصعب سبر أغوارها، ويختلف الخبراء فيما بينهم حولها، في وقت يفتقرون إلى الاطلاع على صحافة حرة يمكنها تسليط الضوء على نيات النظام الإيراني.
وفي حديثها معي، قالت ليبسون: «إيران أشبه بوحش مهجن، ولا تزال هناك مسحة شبه ديمقراطية على الصعيد السياسي بها. إذا لم يعد انتخاب روحاني، وإذا لم يسمح له بخوض انتخابات الرئاسة للفوز بولاية ثانية، فإنه قد يحدث تغيير في نظرة القيادة الإيرانية تجاه الاتفاق. أيضًا، يعتمد ذلك على ما إذا كانت طهران ترى أنه تجري معاملتها بإنصاف خلال عملية التنفيذ».
السؤال الآن بالنسبة للكونغرس ومجتمع الاستخبارات عما إذا كان هذا الوحش المهجن سيفي بوعوده.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»