IMLebanon

ماذا يحصل اذا تمّ تحرير سعر الصرف؟

 

 

برز تحرير سعر صرف الليرة كخطوة أساسية مطلبية وردت في خطة الحكومة المستقيلة بطلب من صندوق النقد، الّا انّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اكّد في أكثر من مناسبة الإبقاء على سعر الصرف على 1515 لتجنيب البلاد مزيداً من ارتفاع معدل التضخم وإفقار اللبنانيين، ولضمان الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. فهل حان الوقت لاتخاذ قرار بتحرير سعر الصرف؟ وما ستكون تداعياته؟

 

تحدثت الحكومة اللبنانية المستقيلة في خطّتها الاصلاحية عن تعديل في سياسة تثبيت سعر الصرف والمحدّد حالياً بـ1515 ليرة، مقترحة تحريراً تدريجياً للسعر على مدار 5 سنوات، بدءاً من تخفيض قيمة العملة المحلّية إلى 3500 ليرة لبنانية مقابل الدولار في العام 2020 ، يليه تخفيض تدريجي بنسبة 5% سنوياً خلال السنوات الأربع التالية لتصبح كالتالي: 3684 ليرة في العام 2021، ثم 3878 ليرة في العام 2022، ثم 4082 ليرة في العام 2023، وأخيراً 4279 ليرة في العام 2024. وهي بذلك تنتقل من سعر الصرف المرن (اي تعديله وتحديده بناءً على معايير معينة) في مرحلة أولى وعلى المدى المنظور، أي حتى العام 2024، على ان تنتقل الى التعويم (أي تحرير سعر صرف العملة بالكامل) ما ان يصلها الدعم المالي من الخارج. وبعدما كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التوجّه لتحرير سعر الصرف، هل من الصواب إغفال الإصلاحات والاكتفاء بالسير فقط بتحرير سعر الصرف؟ وهل من عواقب لذلك؟

 

يرى الخبير المصرفي جان رياشي، انّه لا يجوز تغيير سعر صرف الليرة رسمياً، قبل الشروع في إصلاحات جذرية في القطاع المالي، مشدّداً على انّ التوقيت الاصلح لتغيير سعر الصرف يكون بتزامنه مع الإصلاحات. وقال: «في غياب أي إصلاحات مالية، فإنّه كلما حُرّر سعر الصرف كلما زادت الكتلة النقدية بالليرة في السوق، بما سيؤدي الى مزيد من التدهور في سعرها في السوق السوداء».

 

وبين خياري الاستمرار في تثبيت سعر الليرة أو تعويمها، يقول رياشي لـ»الجمهورية»: «الأفضل تثبيت سعر الليرة انما بهوامش معينة، أي ان يتدخّل المصرف المركزي عندما يكون هناك تقلّب قوي في العملة غير مبرّر». ولفت الى انّه لا يجوز تثبيت سعر الليرة مستقبلاً الّا باحتياطات إيجابية، والّا سنعود الى المشكلة نفسها التي نعاني منها اليوم، أي الفجوة في المصرف المركزي. وقال: «لا يجوز تثبيت سعر الصرف باحتياطات سلبية لسببين: أولاً، لأنّ هذا التثبيت سيكون على حساب أموال المودعين، وسيتبيّن لاحقاً انّ الاحتياطي الصافي سلبي، وهو مشابه لما يحصل اليوم، أي انّ للمودعين دولارات في المصرف الّا انّ المركزي لا يملك هذه الأموال لإعادتها الى المودعين، وليس لديه الامكانية لشرائها. ثانياً، انّ التثبيت يحول دون أي تكّيف مع الاقتصاد الذي ينجم عن سعر صرف تنافسي. ففي حال بقي سعر الصرف ثابتاً على ارتفاع، تخف القدرة التنافسية للاقتصاد، وهذا ما شهدناه في السنوات العشر الماضية، وقد نتج من ذلك اقفال لعدد من المصانع لأنّها لم تستطع الصمود في ظل انتفاء القدرة التنافسية».

 

وشرح رياشي، انّ العملات العالمية في تحرك دائم في السوق، ويكمن دور المصرف المركزي في ضبط تذبذب العملات كي لا تتحرّك، ضمن هوامش مرتفعة، وذلك باستخدامه الاحتياطي الخاص به وليس احتياطي المصارف، الذي هو عبارة عن أموال المودعين، كما انّ تدخّله يكون على مراحل قصيرة لتأمين الاستقرار وليس من خلال التثبيت، لأنّ كلفته على الاقتصاد ممكن ان تكون مميتة.

 

كلفة تحرير الصرف

ورداً على سؤال، أكّد رياشي ان لا قدرة للبناني اليوم على تحمّل كلفة تحرير سعر الصرف، لذا يجب الشروع باتخاذ إجراءات صائبة أولاً، مثل توجيه الدعم نحو الفئات التي تحتاجه ضمن آلية معينة. وأكّد انّ رفع سعر الصرف سيؤثر حتماً على القدرة الشرائية للمواطن، الذي سيزداد فقراً، في ظل استحالة رفع الحد الأدنى للأجور في هذه الظروف.

 

وأضاف: «صحيح نحن نمرّ بأزمة مالية واقتصادية كان يمكن للبناني احتواءها، لكن الكورونا كانت الضربة القاضية للاقتصاد. فما علينا اليوم سوى انتظار انتهاء جائحة كورونا لنتكل بعدها على مهارة اللبناني وقدراته لمعاودة النهوض مجدداً. لكن هذا لا يمنع انّ هناك إصلاحات بنيوية مطلوبة قبل أي شيء، ولا تقتصر فقط على القطاع المالي، انما تشمل كل القطاعات، وإذا لم يحصل الإصلاح للقطاع المصرفي لا يمكن الإقلاع بالاقتصاد، للأسف ما عاد احد يثق بالقطاع المصرفي اليوم، حتى انّ الأموال النقدية التي تدخل الى لبنان اليوم باتت تأتي بالحقائب وليس عبر المصارف».

 

وشدّد على انه اذا لم يحصل لبنان على دعم من صندوق النقد عندها «باي باي لبنان».

 

وعمّا اذا كان هناك من رابط بين رفع سعر الصرف وتحرير مصرف لبنان من دعم بعض المستوردات، شرح رياشي: «انّ رفع سعر الصرف الى 3900 ليرة سيخفف من الضغط على احتياطات مصرف لبنان، التي تُستعمل بغرض دعم استيراد المحروقات والقمح والادوية، لأنّه بذلك سيتراجع حجم الاستهلاك. لكن الاجدى وقف الدعم عن هذه السلع واستبداله بدعم موجّه الى فئات معينة من الشعب بدل تعميمه على الجميع».

 

وقال: «حرام الاستمرار بدعم المحروقات الذي يذهب بمعظمه الى محظيين او يُهرّب ويُباع الى غير اللبنانيين. فهل من المنطق ان يستفيد المقتدر مثل الفقير من الدعم؟ هل يُعقل اننا وبسبب الدعم سعر صفيحة البنزين في لبنان هي الارخص في العالم؟ اليس الأجدى دعم قطاع النقل العام المشترك بدلًا من دعم البنزين كما هو سائد في كل بلدان العالم؟ من الطبيعي انّه اذا زاد الطلب على النقل المشترك ستدخل استثمارات الى القطاع وستتحسن الخدمة فيه».