إنهيار سعر صرف العملة الوطنية يزيد منسوب الفقر، ويهدد الأمن الاجتماعي، ومع ذلك لا تزال محاولات معالجة الأزمة تقتصر على القشور، وتهمل الاسباب الحقيقية، وكأنّ اغلاق محل صيرفة، أو حجب تطبيق الكتروني يحلّ المشكلة.
توصّل اجتماع بعبدا المالي والأمني امس الى الاستنتاج بأن ارتفاع سعر صرف الدولار غير مبرّر، وانّ هناك إشاعات هدفها ضرب العملة الوطنية وزعزعة الاستقرار، «وان هناك منصات مجهولة سياسية وليست مالية تتحكّم بسعر صرف الدولار هدفها خراب لبنان عبر التأثير على الواقع الاجتماعي والمعيشي لتحريض الناس ودفعهم للخروج إلى الشارع».
كيف يمكن ان يكون ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة غير مبرر في بلد غارق في أزمة مالية واقتصادية واجتماعية وصحية لم يشهد لها مثيل في تاريخه، وفي بلد ما زالت أحزابه السياسية عاجزة عن التوافق على تشكيل حكومة منذ حوالى 6 أشهر رغم الانهيار الحاصل على الصعيد النقدي والمالي والاقتصادي والاجتماعي، في بلد اختلفت فيه السلطة التنفيذية والتشريعية على خطة إنقاذ مالية واقتصادية وأسقطت المفاوضات التي كانت جارية على اساسها مع صندوق النقد الدولي، وهو الخلاص الوحيد للبنان؟ كيف يمكن ان يكون ارتفاع سعر صرف الدولار غير مبرّر وقد استنزف مصرف لبنان احتياطه من العملات الاجنبية على سياسة دعم فاشلة لم تؤد اهدافها ولم تخدم الطبقة الفقيرة المستهدفة؟
كيف يمكن ان يكون ارتفاع سعر صرف الدولار غير مبرر وقد ارتفع حجم الكتلة النقدية المتداولة بالليرة حوالى 4 اضعاف في أقل من عامين ليبلغ 34487 مليار ليرة في نهاية شباط 2021؟
كيف يمكن ان يكون ارتفاع سعر صرف الدولار غير مبرر وهناك 120 مليار دولار من الودائع عالقة في المصارف؟
لخّص اجتماع بعبدا اسباب كافة الأزمات التي يمرّ بها لبنان والتظاهرات وقطع الطرقات والمعارك الجارية بين المواطنين على عبوة حليب للاطفال و»غالون» زيت، بممارسات المنصات الالكترونية التي تتحكم بسعر صرف الدولار والصرافين. واعتبر المجتمعون ان الحلّ بسيط ويتطلب فقط تكليف الاجهزة الامنية ضبط جميع الاشخاص الذين يخالفون احكام قانون النقد والتسليف وقانون تنظيم مهنة الصرافة وحجب المواقع الإلكترونية والتطبيقات والصفحات على مواقع التواصل الإجتماعي والمعنية بتحديد سعر صرف الدولار الأميركي مقابل العملة الوطنية في السوق السوداء.
في هذا الاطار، رأى النائب ميشال ضاهر انّ الاجراءات التي يتقرّر اتخاذها مع كلّ ارتفاع في سعر صرف الدولار ليست هي الحلّ والعلاج، مؤكداً لـ»الجمهورية» على انّ الحلّ ليس لدى الصرافين أو لدى المنصات الالكترونية بل الحلّ هو في ايجاد الدولار وتوفره في السوق.
وقال: قد تكون هناك مبالغة في تحديد سعر الصرف من قبل الصرافين للتسبب بحالة من الهلع وممارسة ضغط سياسي، لكن من المؤكد انه في حال لم يبلغ سعر صرف الدولار 11 الف ليرة اليوم، فإنه سيبلغ هذا السعر غدا او بعد غد، وإن لم يصل الى 15 الف ليرة هذا الشهر فإنه سيصل في الشهر المقبل، لأنّ ملاحقة الصرافين وإقفال المنصات ليست العلاج. ما يقوم به الصرافون غير الشرعيين وبعض المنصات الالكترونية قد يؤدي الى تسريع الانهيار إلا انّ الانهيار آتٍ لا محالة معهم او من دونهم.
من جهة اخرى، أوصى اجتماع بعبدا ايضا بإقرار قانون الكابيتال كونترول العالق في مجلس النواب، رغم انه بات «بلا طعمة» وفقاً لضاهر، الذي سأل: هل توجد بعد أي اموال في البلاد لتحويلها الى الخارج؟ معتبرا انه لا يمكن لمجلس الوزراء او مجلس النواب صياغة شروط وبنود الكابيتال كونترول بل انها مسؤولية البنك المركزي ضمن سياسة معيّنة يحددها الحاكم تنصّ على وضع ضوابط على التحويلات الخارجية التي يراها مناسبة، أي السماح بتحويل الاموال الى الخارج بغرض الاستيراد فقط ولمواد وسلع معيّنة ذات اولوية غذائية، صحية، صناعية…
ولفت ضاهر الى انه اول من قدّم مشروع قانون للكابيتال كونترول في تشرين الثاني 2019، قبل خروج المليارات من البلد، يتيح لحاكم مصرف لبنان وضع ضوابط على التحويلات بالشكل الذي يراه مناسباً، لتوضيح اللغط الذي كان قائما حول المادتين 70 و72 من قانون النقد والتسليف. ولكن، ومع الاسف، لم يتم التوافق السياسي على المشروع.
أضاف: ليست من مهام مجلس النواب صياغة واقرار قانون كابيتال كونترول، مشيراً الى انه لا يمكن أن يقرّ مجلس النواب قانوناً «جافاً» بل يجب ان يكون مَرناً وفقاً لوضعية ميزان المدفوعات وحسب حاجات البلاد، وليس وفقاً لنصّ قانوني لا يميّز بين مستورد قمح ومستورد سيارات او ساعات او سلع فاخرة واستفزازية مثل السيجار والكافيار.