Site icon IMLebanon

توحيد سعر الصرف في منصّة واحدة رسمية

 

 

ليس سراً على أحد بأنّ بدء معالجة حلّ أزماتنا الإقتصادية والنقدية والمالية يبدأ بتفاوض سريع وصريح مع صندوق النقد الدولي، وهو المفتاح الأول لإعادة ضخ سيولة بالعملات الأجنبية وإعادة الدورة الإقتصادية. في الوقت عينه، إننا ندرك تماماً ما هي متطلبات الصندوق، من خلال أدائه مع عدد من الدول في وقت سابق، مثل قبرص واليونان ومصر وغيرها.

 

 

أصبح واضحاً ما هي الإصلاحات الأساسية والضرورية التي يُصرّ عليها صندوق النقد وسائر البلدان المانحة، في مؤتمر «سيدر» وغيره. نقطة الإنطلاق تبدأ أولاً بتوحيد سعر الصرف. ومع ذلك، لن نتجرأ ونطالب بإستقرار هذا السعر، لأنّه واقعياً يحتاج إلى تمويل ضخم ولم يعد لدينا عملات أجنبية. فالإصلاح الأول لإعادة بناء إقتصادنا والتبادل التجاري الداخلي، إقليمياً وخارجياً، يبدأ بتوحيد سعر الصرف، بمنصّة رسمية وليس في سوق سوداء.

 

نعيش اليوم في ظلّ تعدد أسعار صرف الليرة مقابل الدولار، المتداولة في السوق، وهناك أكثر من 6 أسعار ومنصّات للتسعير، ما يؤدي إلى معاناة اللبنانيين ويزيد من مآسيهم وذلّهم، وفي الوقت عينه يعانون التدهور الإقتصادي.

 

أولاً: هناك سعر الصرف الرسمي وهو 1515 ليرة، والذي لا يزال يُتداول رسمياً في المصرف المركزي. لكنه بعيد من الواقع والحقيقة المرة.

 

ثانياً: هناك سعر الصرف، وفق تعميم 151 المتبع لتحويل وسحب قسم ضئيل من الودائع بالدولار الأميركي، ويتبع سعر صرف الـ 3900 ليرة، الذي في الواقع هو HairCut مبطن، والذي يخسر فيه المودعون أكثر من 80% من قيمة ودائعهم.

 

ثالثاً: هناك سعر الصرف لدعم الوقود، فيّرفع تدريجاً، وقد إرتفع من 1500 ليرة إلى 3900 ليرة، ومن ثم إلى 8 آلاف ليرة، حتى وصل إلى 12 الفاً. ونتوقع إستمرار إرتفاعه تدريجاً.

 

رابعاً: هناك سعر صرف يلحق التعميم 158، ويسمح بتحويل وسحب 400 دولار بالليرة اللبنانية حسب منصّة صيرفة المتداولة بسعر صرف 12 الف ليرة.

 

خامساً: هناك سعر صرف المنصّات غير الرسمية وهو السوق السوداء، التي تتلاعب بسعر الصرف كما تشاء ولا نعرف من وراءها وكيف تُدار.

 

سادساً: هناك سعر تبادل الشيكات وصرفها نقداً بالعملة الوطنية أو حتى بالعملات الصعبة. فهناك منصّة لتداول الشيكات بالليرة اللبنانية او الدولار حسب نِسب مئوية متغيّرة، فضلاً عن أسعار صرف أخرى تُتداول في السوق مثل الشيك اللبناني ضد «الكاش» اللبناني، والشيك بالدولار ضدّ الدولار وغيرها. وإذا أردنا تلخيص هذه الأسعار لصرف الليرة مقابل الدولار، فإنها تبلغ نحو 6 أو 7 أسعار تداول لسعر الصرف.

 

إذا تابعنا هذا المنهج والمشهد الإقتصادي والنقدي الكارثي، لا يُمكن استعادة الدورة الاقتصادية ولا التبادل التجاري داخلياً، إقليمياً ودولياً. ولا يمكن وقف انهيار اقتصادنا. لذا، الاولوية القصوى للحكومة، والتي هي ايضاً اساس متطلبات صندوق النقد الدولي، هو توحيد منصّات التسعير لتلحق منصّة رسمية اساسية، حتى لو كنا مجبرين ومحكومين ان يكون سعر الصرف متغيّراً وعائماً.

 

لا يمكن بناء إقتصاد يرتكز على منصّات غير رسمية، على سوق سوداء، لكن من البديهي ان تكون هناك منصّة رسمية موحّدة لإعادة بناء الاقتصاد الابيض والهيكلية المالية والنقدية الداخلية. فالمنصّة الرسمية أفضل بكثير من منصّات السوق السوداء حتى لو كانت عائمة. فهناك أسس للمراقبة والمتابعة بشفافية افضل بكثير من الغرف السوداء المغلقة. فالمنّصة الموحّدة ستسمح للبنانيين والعائلات والتجار والمبتكرين بإعادة هيكليتهم المالية والنقدية وتنظيم اوضاعهم حسب توجيهات المنصّة الرسمية.

 

في الخلاصة، انّ بدء الإصلاح مبنّي على الحوكمة الرشيدة والشفافة والقضاء على كل المنصّات غير الرسمية والسوق السوداء، لإعادة بناء الاقتصاد على أسس متينة ومنصّات رسمية، ولا سيما توحيد تداول سعر الصرف من 6 منصات وهمية الى منصة واحدة رسمية.