في كل دول العالم، يرتبط سعر الصرف بعوامل عدة، أبرزها إقتصادية، نقدية، مالية إجتماعية واضحة، لا سيما أنه يرتبط مباشرة بالعرض والطلب، وبسياسة ضخ السيولة أو سحبها من السوق، بالإضافة إلى ارتباطه بسعر الصرف عالمياً، وبعامل الثقة، وأيضاً بالدورة الإقتصادية والتبادل التجاري.
في لبنان، بلد العجائب، رغم أن لدينا الثقة بأن اليد الإلهية تحمي أرض لبنان المقدسة، لكن سعر الصرف ليس مرتبطاً بأي قواعد إقتصادية أو مالية أو نقدية، إنما يرتبط مباشرة بسوق سوداء، تتحكم به مافيات مشبوهة، ويتغيّر ويتلاعب هذا السعر بناء على إتفاقات سياسية وصفقات مشبوهة ليس لها أي علاقة بعوامل تقنية مالية ونقدية، لا بل فقط سياسية بامتياز.
هل يُعقل في بلد مثل لبنان، وهو بفخر منصة إقتصادية ودولية، وبلد التبادل التجاري، أنه لا يملك أي سوق رسمية ومنصة موحدة للتسعير؟ فيما نتكل مجدداً في هذا الإقتصاد الأسود على منصّات وتطبيقات Applications، لا نعرف مَن وراءها، ومَن يُديرها؟ وحتى إذا كانت موجودة على الأراضي اللبنانية أو خارجها، وما هي القواعد والعوامل التي يتلاعب ويتغيّر فيها سعر الصرف؟
ما هذه المنصات والتطبيقات المشبوهة والتي تتلاعب بأسعار الصرف، في منتصف الليالي، أو في أيام الإقفال أو العطل، وتحدّد سعر صرف مشبوه، وتتلاعب بحياة اللبنانيين، وتستخف بذكائهم؟
من جهة أخرى، البرهان الثاني، أن سعر الصرف لا يلحق أي قواعد تقنية، وهو أنه عندما بدأ تطبيق التعميم 161 وضخ سيولة بالعملات الصعبة، راح سعر الصرف يرتفع على نحو غير مسبوق، حتى وصل إلى نحو 33 ألف ليرة، وهو عكس كل القواعد المالية والنقدية المتعارف عليها إقتصادياً.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضاً وقائع مريبة عدة تدعو إلى المساءلة، إذ كيف يُمكن بعد يوم من الإضراب المشبوه والمُسيّس، وإقفال الأسواق كلها، أن نستيقظ في اليوم التالي على هبوط مفاجىء لسعر الصرف، من دون أي عملية مالية أو نقدية، لا بل جمود وإضطراب على الساحة الإقتصادية والإجتماعية. هذا يعني مجدداً أن التغيير بسعر الصرف أو بالأحرى التلاعب به، يتبع قواعد مسيّسة بإمتياز وصفقات وراء الستار، وبعيداً من كل القواعد المالية والنقدية المتعارف عليها.
في الخلاصة، ولسوء الحظ، وبكل شفافية وواقعية، هناك محاولات عدة واستراتيجية واضحة لتحويل لبنان من إقتصاد أبيض واضح وشفاف ومنفتح على إقتصادات العالم، إلى إقتصاد أسود ملوّث بأيادي المافيات، يتلاعب فيه السياسيون، ويجرّونه إلى وُحول الصفقات المشبوهة والمصالح الإنتخابية، ويُتاجرون بحياة اللبنانيين ومصيرهم، وبلقمة عيشهم.
إذا أردنا بدء إعادة هيكلية حقيقية، يبدأ الإصلاح بتوحيد سعر الصرف في منصة واحدة رسمية، وملاحقة مَن وراء هذه التطبيقات المشبوهة والإتكال على القواعد الإقتصادية والمالية والنقدية، وقطع الطريق أمام مَن يتلاعب بمصير اللبنانيين وحياتهم، لأسباب سياسية ومشبوهة.