اذا بات من المحسوم ان معركة جرود القاع ورأس بعلبك لم تعد سوى مسألة اعلان ساعة الصفر مع انتهاء التحضيرات العملانية لها، على ما تؤكد كل التسريبات، فان الربط المباشر بينها وبين معارك عرسال التي خاضها حزب الله يصبح امرا واقعا وحقيقيا، لا يمكن الهروب منه في ظل «التكامل» بين الطرفين، رغم محاولات الكثيرين انكار ذلك، كما الريبة من المشروع الجاري تحقيقه وما اذا كان يتماشى مع الاتفاقات المعقودة ام يجري من خارجها.
يبدو ان حركة الميدان السريعة في سوريا تتزامن مع ارتفاع حرارة «الطبخة» التي اعدتها كل من موسكو وواشنطن، والتي تتضمن تقاسم مناطق النفوذ في سوريا بما يتلاءم ومصالح الحليفين الاساسيين التركي والاسرائيلي، فيما تبقى ايران حتى الساعة خارج طاولة التفاوض، في الوقت الذي اعيد فيه البحث بوضع الاردن ولبنان، وما قد ينتظرهما من مصير في المرحلة المقبلة بعد انجاز التسويات وابرام الاتفاقات.
فخلافا لكل الكلام المتناقل من عاصمة القرار الاميركي، تشير مصادر لبنانية واسعة الاطلاع الى ان الاتصالات الاميركية – الروسية المتسارعة على صعيد الملف السوري، شملت بحث اوضاع دول الطوق السوري بما فيها لبنان، الذي احتل اولوية على هذا الصعيد باعتباره النقطة الاضعف نظرا الى ان استبعاد ايران عن التسوية سيجعلها تتحرك على الساحة اللبنانية التي تملك فيها اوراقا رابحة وقوية ليس اقلها حزب الله، داعية الجانب اللبناني الى ضرورة التحرك على مستوى عواصم القرار الدولي حيث تجري التسويات اذ ان الزيارة الاميركية الاخيرة لرئيس الحكومة سعد الحريري لم تكن نتائجها على مستوى الآمال التي عقدت عليها، معتقدة ان رحلته الى موسكو لن تكون افضل حالا، كما ان اتصالات رئيس الجمهورية في نيويورك على هامش انعقاد الدورة العامة لهيئة الامم المتحدة لن تتخطى اطار العموميات ولن تدخل في عمق الملفات التي قد تشكل خطرا على الكيان اللبناني لاحقا.
ورأت المصادر ان اهتمام القطبين بالملف اللبناني يعود الى عدة عوامل ابرزها موقعه الجغرافي وامتلاكه حدود طويلة مع سوريا تمتد من مزارع شبعا المتنازع عليها الى العبودية شمالا مرورا بالسلسلة الشرقية وجرود رأس بعلبك – القاع عرسال،حيث تكشف ان الخارجية الاميركية تمتلك خرائط موثقة تبين وجود ترسيم للحدود بين لبنان وسوريا في تلك المنطقة خلافا لكل ما يقال، وان تلك الوثائق مسجلة منذ عشرات السنوات لدى الامانة العامة للامم المتحدة، وبالتالي ليس هناك من تداخل حدودي في تلك المنطقة، الامر الذي يتطلب تحديد النقاط الحدودية على الارض تمهيدا لضبط الحدود بشكل نهائي وعدم السماح بتسلل الارهابيين وحصول عمليات تهريب في الاتجاهين، ما قد يدفع بمجلس الامن الى وضع يده على هذا الملف في الفترة المقبلة في حال تلكؤ دمشق وبيروت عن القيام بتلك الخطوة، حيث ستمارس ضغوط في هذا الاطار على تل ابيب لانهاء ملف مزارع شبعا عبر مد الخط الازرق باتجاهها في انتظار التسوية الدائمة في المنطقة.
المصادر تابعت ان الاتفاق الدولي الجاري حاليا لن يسمح باقامة شريط طائفي على الحدود اللبنانية من لون واحد نتيجة التــغيرات الديموغرافية التي تشهدها المناطق السورية رغم ما ارسته بعض التوازنات الميدانية، من هنا فان طرح ملف النازحين السوريين في لبنان ستتم مقاربته وحله على مراحل بعد ان يتم تثبيت «الستاتيكو» العسكري، لتسمح عودة النازحين باعادة تصحيح اي خلل واقع، معتبرة انه لن يكون هناك طريق يربط بين طهران وبيروت عبر بغداد ودمشق باي حال من الاحوال، كما انه لن يكون هناك منطقة نفوذ لايران بالقرب من الحدودين اللبنانية والاسرائيلية، حيث ستتولى تأمين تلك المنطقة القوات الروسية وفقا لخارطة توزيع القوى.
وتنصح المصادر في هذا الاطار الحكومة اللبنانية الى عدم مواجهة الامم المتحدة واتخاذ خطوات في ملف النازحين قد تنعكس عليها سلبا، ذلك ان كل المواقف الدولية والاممية تبين بوضوح حقيقة اتجاه القرارات العالمية على هذا الصعيد، وان هذا الملف مسحوب من التداول في اروقة الدول المضيفة، ساخرة من الحديث عن توطين السوريين في لبنان وامكان استخدامهم في معارك داخلية ضد حزب الله كما يخشى البعض.
هكذا اذا عاد الملف اللبناني ليحتل الاولوية على الاجندة الدولية من البوابة السورية، وهو ما يفسر الاهتمام المفاجئ والرغبة في اقفال ملفي «داعش» و«النصرة» «بقبة باط» اقليمية – دولية، في تمهيد واضح للارض لاستيعاب التطورات القادمة.