حرب الارهاب باسم الدين أكثر امتلاكاً للمبادرة من الحرب على الارهاب باسم الأمن القومي والأمن الدولي. الأولى فعل يحتاج الى حظ بنسبة واحد في المئة للنجاح. والثانية رد فعل يحتاج الى حظ بنسبة مئة في المئة للنجاح. وكما في حرب الارهاب على المستوى المحلي والمستوى الدولي كذلك في الحرب على الارهاب بأبعادها المحلية والكونية: العمل من ضمن استراتيجية شاملة. فلا العمليات الارهابية في باريس وجبل محسن وسوريا والعراق واليمن وليبيا وأماكن أخرى مجرد احتجاج بالعنف الأعمى على ظلم أو فقر أو تهميش أو عجز أمام ما يسمى صدمة الحداثة. ولا تحريك الخلايا النائمة في العواصم الخائفة سوى انتقال الارهابيين من فصل الى آخر في التاكتيك الذي يخدم الاستراتيجية.
ذلك ان عملية مزدوجة في باريس أجبرت فرنسا، بعد النجاح في قتل الارهابيين الثلاثة، على نشر عشرة آلاف جندي ورجل أمن في باريس بشكل دائم للحؤول قدر الامكان دون وقوع عمليات ارهابية جديدة. لا بل ان العواصم الأوروبية الأخرى لجأت الى نوع من الطوارئ الأمنية. ولو لم تكن أزمة الهوية عميقة ومخيفة داخل المجتمع الفرنسي والمجتمعات الأوروبية لما احتاج الأمر الى تظاهرة حاشدة غير مسبوقة في باريس سار في مقدمها مسؤولون من أربعين دولة لاعلان التمسك بالوحدة الوطنية والايحاء باللاخوف من الارهاب والتضامن الدولي ضده.
ومن السهل لجوء كثيرين كالعادة الى اتهام الغرب الأميركي والأوروبي بالمسؤولية عن ايجاد التنظيمات الارهابية. ففي سياسات الغرب توظيف لتنظيمات القاعدة وداعش والنصرة وسواها الى جانب الحرب عليها. لكن الاكتفاء باتهام الغرب هو الطريقة التقليدية للهرب من المسؤولية. فالخطر الذي يشكله الارهاب على الغرب نسبي ومحدود بالمقارنة مع الخطر الوجودي على العالم العربي بكل دوله ومكوناته الاجتماعية. ومن الوهم الرهان على الغرب، بكل ما يملك من قوة، للقضاء على الارهاب، ولو كان راغباً في ذلك لأن التدخل الخارجي يزيد من التعاطف مع الارهابيين. فلا أحد يستطيع القضاء على الارهاب بالفعل الا شعوب المنطقة، وهي على الطريق لبناء دول ديمقراطية تعددية مكان الدول الأمنية الاستبدادية. ولا شيء يكمل المهام التي تقوم بها الجيوش وأجهزة الأمن في مواجهة الارهابيين بالعمليات الوقائية وغير الوقائية سوى حرب الأفكار غير التقليدية.
وأكثر ما يعبر عن الواقع هو اننا نضع كل عملية ارهابية في باب التحريض على الفتنة، ونفاخر بعد كل عملية بأننا منعنا الفتنة أو امتنعنا عن الانجرار الى الفتنة. وأقل ما نحتاج اليه هو بدء تغيير الواقع في العمق.